الأحد، 13 يوليو 2008

النقل البري من لعنة التكدس الي الترهل الخانق1


قطاع النقل البري من لعنة التكدس إلى حالة الترهلغياب التخطيط العلمي والخرائط الإستثمارية وراء بروز «ضحايا الشاحنات»أكثر من (4.000) شاحنة وصلت البلاد خلال النصف الثاني من العام 2005، وذلك في اعقاب التدابير التي اتخذتها الحكومة لمواجهة حالة التكدس التي شهدها ميناء بورتسودان في النصف الاول من العام الماضي والتي كادت تهدد بخنق الاقتصاد الوطني.. ورغم ان الخبراء قد اكدوا ان بيروقراطية المؤسسات الحكومية ذات الصلة وتعدد محطات الجبايات التي تتجاوز الاربعين محطة على الطريق القومي أسهمت في تأخير دورة الشاحنة مطالبين بضرورة مواجهة هذه المعضلات، إلا ان الدولة عمدت الى منح الاعفاءات الجمركية لقطاع الشاحنات ولمدة (6) شهور وذلك بغية تشجيع استيراد الشاحنات خاصة ان الدولة ظلت تتحدث عن قصور قطاع النقل وعدم قدرته على مواكبة القفزات الهائلة التي بات يحققها الاقتصاد الوطني.الآن باتت بوادر أزمة جديدة لا تقل خطورتها عن التكدس وتتمثل المعضلة الجديدة في ترهل القطاع، كما أدت حالة الكساد التي آل إليها القطاع لا تمكِّن اصحاب الشاحنات الجديدة في الايفاء بالتزاماتهم تجاه البنوك وبيوت التمويل وربما ادى الامر لبروز ظاهرة إعسار جديدة.. بل ان بوادر الاعسار بدأت تلوح، فقد تلقت (الصحافة) شكاوى من بعض الافراد حول اضطرارهم لبيع الشاحنات لمواجهة الالتزامات التمويلية..عبر المساحة التالية نغوص في امر ترحيل قطاع النقل الاسباب ومآلات دخول اعداد ضخمة من الشاحنات خلال 6 شهور تساوي اكثر من 75% من الاعداد العاملة في السنوات الماضية واثر ذلك على القطاع وكيفية تدارك تلك الآثار.تحقيق: بله علي عمرغياب الخارطة الإستثمارية* السياسات الخاطئة التي تنتهجها الدولة اثرت على القطاعات الانتاجية كافة وعلى رأسها قطاع النقل، هكذا ابتدر دكتور احمد عبد العزيز الخبير الاقتصادي حديثه قائلاً: (إن الدولة التي تعجز عن وضع خارطة استثمارية تحدد احتياجاتها الفعلية من المدخلات والآليات والكوادر البشرية) لا تستطيع تحقيق طموحات شعبها في تحقيق التنمية.وفي حالة قطاع النقل فلا بد من الاشارة الى ان اعداد مواعين النقل العاملة في البلاد التي تتجاوز اكثر من 8000 شاحنة قادرة على تلبية المتطلبات مع استصحاب حالة النمو المضطرد في القطاع التي كانت تمضى بتوافق تام مع النمو الاقتصادي.. كانت هنالك مشكلة في إدارة المؤسسات الحكومية لاذرعها بالميناء البري وهنالك محطات الجباية التي تعيق دورة الشاحنات وادى ذلك لحالة التكدس بالميناء، وارتفاع قيمة النولون الذي قارب 200 ألف جنيه للطن الواحد.. المبلغ في حد ذاته ليس مبالغاً فيه لأن دورة الشاحنة متواضعة لا تتجاوز 3-4 رحلات في الشهر.. ادى ارتفاع قيمة النولون والتكدس الى ارتفاع بعض السلع الاستراتيجية مثل الاسمنت، ولمواجة الامر اتجهت الدولة نحو اقصر الطرق في فتح الموانئ امام شحنات البواخر من الشاحنات من خلال الاعفاءات الجمركية وغياب أسس المواصفات في الموديلات.ويضيف دكتور محمد التجاني الخبير في اقتصاديات النقل ان الدولة شعرت بوقوعها تحت هيمنة قطاع النقل عندما ادركت عجزها عن كبح تصاعد قيمة النولون فآثرت ان تخرج من غياهب جبة في وقت كان يمكنها إدارة ازمة التكدس بنهج علمي يعمل على حماية القطاع ويسهم في انسياب نقل السلع والبضائع من الميناء وذلك ما تمكنت من تحقيقه عندما عملت على وضع قرارات مجلس الوزراء موضع التنفيذ.ضحايا الشاحنات* غير ان عبد الرحيم النصري الامين العام لغرف النقل يرفض ان تكون الدولة قد وقعت تحت سيطرة قطاع النقل إبان ازمة التكدس بالميناء وإنما افتقدت قدرتها على انفاذ قراراتها في إزالة معوقات الطرق وعندما تمكنت من ذلك تم تفريغ الميناء خلال فترة وجيزة، ويرى النصري ان حالة الترهل الراهنة التي يعانيها القطاع وما نجم عنها من عدم إيفاء بعض الذين عملوا على استجلاب شاحنات خلال فترة الاعفاء يعود لسببين احدهما يخص الحكومة وهو غياب الخارطة الاستثمارية للدولة، وهو بذلك يذهب الى موافقة دكتور امير عبد العزيز الخبير الاقتصادي المعروف، ويقول النصري ان الخارطة الاستثمارية تُعنى بتحديد حاجة البلاد في اوجه الحراك الاقتصادي كافة، خاصة ان مثل هذه الخارطة تعطي مؤشرات واقعية علماً ان أهمية هذه الخرائط ووجودها قد تم تضمينها في قانون الاستثمار، ويمضي النصري، مما يؤسف له عدم وجود خرائط حيوية مثل قطاع النقل بصورة لا تمكن المستثمرين الاجانب عن ولوج هذا القطاع رغم الحاجة لذلك.ويرى النصري ان السبب الثاني في الازمة يتعلق بالافراد الذين عملوا على استغلال البعض من الافراد خاصة في اوساط المغتربين عملوا على ادخال شاحنات لانهم سمعوا عن ارتفاع قيمة النولون ووجود تكدس بالبلاد دون عمل دراسات علمية ودراسات جدوى، وبعد ادخال شاحناتهم فوجئوا بواقع وظروف غير التي توقعوها كما ان العديدين من اصحاب هذه الحالات عملوا على استيراد موديلات قديمة وعديمة الجدوى وهى الشريحة التي وصفها مزمل ابراهيم دياب المحامي بأنهم المشترون الضحايا ذلك انهم وقعوا ضحايا لسياسات الدولة فقد قاموا بشراء آلاف الشاحنات بعشرات الملايين من الدولارات وبعضهم اعتمد على التمويل والقروض في استيراد هذه الشاحنات وعند دخولها البلاد لم يجدوا سوقا للعمل مما اضطر بعضهم العمل على بيع هذه الشاحنات ولم يجدوا من يشتري.ان خروج قطاع الجنوب أسهم بصورة مباشرة في تراجع عمل قطاع النقل البري، هكذا ابتدر النور مصطفى وهو اداري بإحدى الشركات العاملة في مجال النقل، ذلك ان الولايات الجنوبية في اعقاب اتفاقية السلام باتت تعتمد بصورة مباشرة على وارداتها من كينيا واوغندا، كما ان قيمة الترحيل من ميناء ممبسا للجنوب القصي (جوبا، ياي) اقل تكلفة من الترحيل لهذه المدن من الميناء.. وكانت هذه المدن في السابق تعتمد على السلع الواردة من الشمال.. كانت الشاحنات في السابق تذهب للجنوب محملة بالبضائع من سكر وغيره وتعود محملة بالمنقة وغيرها من الفواكه.* وفي تسليطه الضوء على اسباب معاناة القطاع يقول قرشي هرون حامد ان تشخيص الدولة لازمة التكدس كان خاطئاً فقد كانت الاجهزة الحكومية برمتها ترى ان السبب هو عدد وكمية الشاحنات العاملة وكيف انها ظلت محدودة الطاقة ولا تتمكن من متطلبات المرحلة الجديدة.. والدولة بهذا التوجه والتعاطي إنما تعمل على تجاهل الرؤى العلمية والتحليل الذي يعتمد على الدراسات.. في وقت دلت فيه الشواهد انه تم تفريغ الميناء خلال شهرين وقبل وصول العربات الجديدة وهذا يعني ان التكدس جاء بسبب بيروقراطية الاجهزة الحكومية وتعرض الشاحنات للتأخير في عمليات الشحن واثناء الرحلات وعند دخول المستودعات، ويرى قرشي هرون ان البعض ممن دخلوا القطاع أخيراً يتعرضون لمخاطر حقيقية، فالدولة اكدت لهم ان البلاد قد دخلت مرحلة طفرة حقيقية وان اسعار النولون لن تتراجع فعلموا دون دراسات مسبقة لادخال آلاف الشاحنات ويتعرض هؤلاء لخسائر فادحة، كما ان بعض هذه الشاحنات قد تجاوزت 25 عاماً كما تولدت عن ذلك حاجات غير حقيقية في سوق عمل القطاع.الخروج من الازمة* وفقاً لرؤية الدكتور أحمد عبد العزيز، التي يوافقه عليها عبد الرحيم النصري امين عام اتحاد غرف النقل فات على الدولة اعداد خرائط استثمارية حقيقية وتشجيع الافراد الراغبين ولوج الاستثمار ان يدخلوه من خلال تكوين الشركات الكبرى بأن يتجمعوا من خلال شركة استثمارية كبرى وذلك بمنح امتيازات تشجيعية لمثل هذه الشركات الكبرى، وان تعمل الدولة على منح التمويل لمن هو اقدر في مجاله وذلك وفقاً لرؤية قرشي هرون الذي طالب بضرورة مراعاة الضحايا من الذين اعتمدوا على التمويل المصرفي في استيراد الشاحنات مطالباً بضرورة احترام قرارات الدولة من قبل مؤسساتها فلا يستقيم ان ترفض بعض المؤسسات القرارات والتوصيات الصادرة من مؤسسات اخرى وذلك امر يتطلب البحث من قِبل مجلس الوزراء.ويضيف عبد الرحيم النصري امين عام غرف النقل ان الدولة ورغم انتباهها للقطاع منذ ابريل 2005 وعملها على اصدار قرارات داعمة للقطاع لكن هنالك حاجة ماسة لاعادة النظر في قانون الاستثمار لعام 1999 المعدل لعام 2000م والمعدل لعام 2003م، وكل هذه التعديلات عملت على سحب امتيازات هذا القطاع وحتى تكون هنالك آثار واقعية لرغبة الدولة في دعم القطاع فإن الامر يتطلب تعديل القانون ليواكب القرارات والتوجهات الأخيرة وحاجة البلاد من ادوات النقل للمرحلة المقبلة.* وقبل أن أعمل على اختتام الأمر لفت نظري السيد نور الدين لضرورة مراعاة الدولة للدور المحوري الذي يلعبه قطاع النقل بالبلاد فإضافة لمساهمته في التنمية الإقتصادية فهنالك الابعاد الاجتماعية المباشرة، إذ يعمل بهذا القطاع من السائقين اكثر من 10 آلاف سائق، مثلهم من الصبية المساعدين، اضافة لما تحدثه حركة القطاع على العاملين بالورش وعمال الشحن والتفريغ (العتالة) واثره على قطاع الزيوت وغيره.. وهذا يعني ان على الدولة العمل على تبني السياسات الداعمة للقطاع وتوجيه البنوك بزيادة فترة السداد للذين عملوا على توجيه التمويل في استيراد الشاحنات.المالية: السعي لتجنيب الإقتصاد الإختناق* احد القيادات البارزة بوزارة المالية نفى لـ «الصحافة» ان تكون القرارات الخاصة بالإعفاءات الجمركية للشاحنات خلال الفترة من مايو حتى نوفمبر 2005 هدفت للخروج من قبضة قطاع النقل، وإنما جاءت لتجنيب الاقتصاد حالة اختناق بسبب التكدس غير المعهود بالميناء وعجز قطاع النقل في مقابلة تلبية الطلب الناجم عن التدفق السلعي.نواصل

ليست هناك تعليقات: