الثلاثاء، 15 يوليو 2008

الدواء في السودان -1


الصحافة تفتح ملف الدواء (1)
تعدد الرسوم وسياسات الإمدادات الطبية وراء ارتفاع أسعار الدواء
(أرجوك اكتب للخيرين واسألهم توفيرالدواء لابني.. انه الشئ الوحيد الذي خرجت به من الدنيا.. انه يدفع ثمن فقري وعوزي وعدم قدرتي على توفير قيمة الدواء.. اعذرني يا بني.. انه الامل الذي اعيش لاجله).. كانت الرسالة التي تلقاها الزميل خليفه حسن بله محرر صفحة أنفاس المساكين بمثابة الصرخة الداوية التي لفتت نظري لملف الدواء.. هل صار الدواء هكذا فوق طاقة الاغلبية الفقيرة من اهل السودان؟ للاجابة على هذا السؤال قررت الصحيفة فتح هذا الملف.. جبنا المستشفيات والصيدليات وقوفا على القدرة الشرائية للمرضى وجلسنا للمعنيين من اطباء وشركات استيراد الادوية واستمعنا للصيادلة في هذه الحلقة فماذا قالوا؟ وماهي المحصلة؟
تحقيق/ بله علي عمر
من صور المعاناة:الوسيلة محمد احمد وجدناه بمستشفى الخرطوم انه يعاني من آلام مبرحة في النخاع الشوكي قال ان الدواء فوق طاقة اسرته التي تشتري الحقنة الواحدة بمبلغ 180 ألف جنيه بالتمام والكمال وهي غير متوفرة في بعض الأحيان.
ويقول سعد سعيد (مريض) اشتري العلاج من خارج المستشفى واسعارها غالية الثمن حيث اقوم بشرائه بقيمة 43 الف جنيه تفاصيلها كالآتي (الكتون (50) بسعر 13 الف وحقنة شرجيه بقيمة 13 ألف اضافة لكورس حبوب الضغط بقيمة 17 ألف جنيه فمن اين لي..؟
رابعة الامين مريضة بمستشفى الخرطوم تعاني ارتفاع السكر تقول ان الانسولين بمثابة الاوكسجين بالنسبة لي وسعره يبلغ 35 الف جنيه وحبوب الكتون بقيمة 10 الف جنيه فمن اين لي هل تعتقد الحكومة ان الجميع قادرين علي تسديد هذه الفاتورة وتضيف عائشة احمد سعد ان قيمة المضاد الحيوي تبلغ 16 ألف جنيه.
عوض ابوالخير يعاني من التهاب حاد قال ان أكثر الادوية انهاكا له هي الدربات التي تجاوزت قيمتها الخمسمائة الف جنيه ويضيف عبدالواحدابراهيم انه يشتري عقار (سميلكسون) للملاريا الخبيثة بقيمة 70 ألف جنيه.
الصيادلة: هنالك أزمةيقول محمد مختار صيدلي اننا نتلمس شكوى المواطنين من ارتفاع قيمة الدواء.. وكم من مرة خرج المواطن لانه لايملك قيمة الدواء.. ان عائد ارباح الصيدليات لايتجاوز 20% وهذا العائد تندرج تحته المرتبات والايجار وفواتير الكهرباء وغيرها.. فلا نستطيع تقديم الدواء مجانا.. اننا نضطر في بعض الحالات لجمع قيمة الدواء من جيوبنا عند تلمس حاجة المريض ولكن هذا ليس الحل؟
وأكثر الادوية سعراً هي عقار (باكتوفلوس) و (السيبرلون) واقلها الكلوروكوين وحبوب الحساسية.
ويقول د. عمر الامر اعلي الادوية سعرا هي الهرمونات فمثلا هناك حقنة (hymagon) وهي تكلف 40 الف جنيه وحقنة (Pregnyl) تكلف الواحدة 26 الف جنيه .. نحس كثيرا بعجز المواطن وعدم قدرته على الدفع.. ولكن لا نستطيع فعل شئ فاذا اتجهنا لمساعدة كل انسان سنفقد كل شئ.. نضطر احيانا للتعامل بالدين بعد ان نستلم بطاقة الشخص المعني لضمان احضار باقي المبلغ.
ويشير اسماعيل نورين ان ادوية ارتفاع ضغط الدم غالية وتتراوح بين (15 - 77) الف جنيه بينما تبلغ بعض ادوية القرحة 70 الف جنيه.ونلاحظ ان كثيرا من المواطنين يخرجون من الصيدلية عندما يقفون علي سعر الدواء.
هذه الرسوم... هذه الجباياتوتعود اسباب ارتفاع قيمة الدواء الى جملة اسباب منها تعدد الرسوم على الدواء ويشير دكتور السر ابوالحسن اخصائي الخصوبة واطفال الانابيب الى ان القطاع الخاص من اكثرا لمتضررين لاضافة الرسوم على الادوية لان ادوية علاج حالات العقم اصلا غالية التكاليف وبالتالي فان اضافة أي اعباء على اسعارها تجعلها باهظة وفوق طاقة المواطنين مضيفا ان سعر الدواءمحسوبا من التكلفة الكلية للعملية العلاجية يعادل 45% بينما لا يتجاوز في السعودية 30% - كما ان أى زيادة في اسعار الدواء تأتي خصما على مستوى الخدمة وتطورها.
ويقول دكتور يعقوب محمد عبدالماجد ان مركز الخرطوم للخصوبة قد نجح في تخفيض قيمة عقاقير الخصوبة 40% وللاسف لم يوازي ذلك أى انخفاض في الرسوم الموضوعة على الدواء مما يبرز منتج الدواء الاجنبي وكأنه اكثر رحمه بالمواطن من الدولة. ويقول دكتور يعقوب ان المطلوب هو تفهم الادارات المعنية بالدواء للمعاناة التي يعيشها المرضى وذلك بازالة هذه الرسوم.
مراجعة كل العملية العلاجيةدكتور مامون ادريس مدير عام احدى الشركات العاملة في مجال الدواء ابتدر افادته متسائلا: ماهوا لعلاج؟ ومن المسؤول عن علاج المريض؟ وما هو دور الوزارة والدولة في ذلك؟
ان الدواء لا يشكل في بعض الحالات اكثر من 5% من القيمة الكلية للعلاج الذي يشمل فاتورة الاخصائي ورسوم المعمل والاشعة والموجات والرنين المغنطيسي وغيرها ومن هنا يجب ان تناقش عملية العلاج متكاملة لا ان يفصل بين الدواء والعلاج - اي المطلوب مراجعة العملية العلاجية ككل.. ان تحرر كلها او تترك جميعها - تحرير ما يخص الاطباء وتقييد غيرهم لايخدم العملية العلاجية وليس في مصلحة المريض.
أين الدور الخدمي للإمداداتبالنسبة للدواء فقد ظلت الدولة تقدم العلاج مجانا للمرضى في مؤسسات الدولة الطبية.. كان المرضى القادرون يذهبون للعيادات الخاصة ويحصلون على العلاج من الصيدليات الخاصة. رفعت الدولة يدها عن توفير العلاج المجاني الذي من ضمنه الدواء.. وتغير دور الامدادات الطبية التي تحولت من مصلحة خدمية الى هيئة تعمل وفق القانون التجاري تسعى لتحقيق الارباح مستفيدة من الامتيازات الحكومية في الاعفاء الضريبي والاعفاء من كافة الرسوم والزكاة التي تشكل اكثرمن 40% من قيمة الارباح وهذه القيمة يضاف جزء كبير منها لرأس المال العامل في توفير الادوية التي تحتكر توفيرها للمؤسسات العلاجية الحكومية - كما ان الامدادات تتمتع بتحرير اسعارها بمعنى انه لا توجد جهة تراجع اسعارالامدادات.
الإمدادات وراء الأزمة:ويمضي دكتور مأمون ان الامدادات بعد سيطرتها على القطاع الحكومي شرعت ببيع الادوية لمؤسسات القطاع الخاص منتهكة بذلك قانون الصيدلة والسموم الذي ينص على ان أى دواء يباع في القطاع الخاص يجب ان يمر بمراحل التسجيل بادارة الصيدلة الاتحادية.
هذا التجاوز للوائح اعطى الامدادات ميزة التحرك مما جعل القطاع الخاص يقف عاجزا امام التجاوز الذي يبلغ احيانا مرحلة استيراد ادوية غير صالحة بواسطة الامدادات (محاليل كور والكلوركوين الصيني ذو الجرعة الناقصة).
والامدادات الطبية جزء رئيسى في ارتفاع اسعارالدواء وهي تقوم باستغلال المواطن وحقه في الدواء الرخيص لتحقيق ارباح عالية دون أن يدري أحد من المسؤولين.
ويمضي دكتور مامون في نقده لسياسات الامدادات الطبية ويقول (من المعروف عالميا ان الشراء بكميات كبيرة عن طريق العطاءات يمنح المشتري امتياز الحصول علي اسعار اقل بكثير من الاسعار المتعارف عليها في الاسواق العالمية..ولكن الامدادات الطبية تستغل هذا الامتياز في التخفيض لجني ارباح طائلة علي حساب المواطن اذ انها غيرمقيدة بالتسعير حسب مميزات التحريرالاقتصادي في وقت تفرض فيه الاسعار للقطاع الخاص.)
ويستدرك دكتور مأمون (الامدادات في ادوية كثيرة تضع فارق سعر محدود عن اقل سعر حددته شركات القطاع الخاص لتحقق ارباحا مضاعفة على حساب المرضى... كما ان الامدادات تتجه للاستيراد من شرق آسيا حيث المصانع الهندية والصينية والباكستانية حيث تنخفض الجوده والاسعار عن الانتاج الاوروبي).
الخروج من الأزمةوللخروج من الازمة وفق رؤية دكتور مامون ادريس فان على الدولة ان تجيب علي التساؤل: هل العلاج يدخل ضمن سياسة التحرير الاقتصادي؟ علي وزارة المالية الاجابة.. فان كانت الاجابة بنعم فالمطلوب تحرير جميع عناصر العلاج بما فيه الدواء.
اما اذا كانت الاجابة على التساؤل بلا فيجب ان تنضوي كل عناصر العلاج في قانون تسعير موحد يحتكم اليه القطاعين العام والخاص.
هذا الاستنزاف وأسبابهالدكتور نصري مرقص صيدلي قال ان الدواء لا يتعدى 20% من جملة العملية العلاجية.. ولان الدواء يأتي في اخر العملية العلاجية فان المواطن يكون قد استنزف كل قدراته المالية قبل ان يلج الصيدلية لتصبح النظرة الناقدة والتبرم والسخط في وجه الصيدلي والصيدلية مما يجعلنا نطالب برفع اي رسوم يتم تحصيلها علي سلعة الدواء في مراحله المختلفة كما اشار د. محمد بابكر في حديثه المنشور بالصحافة ويمضي دكتور نصري ان قطاع صديليات المجتمع (الصيدليات الخاصة) تواجه بالتذمر الناجم عن ارتفاع اسعارالادوية ويضيف دكتور نصري: في ما يختص بتحرير الاسعار فاننا كصيادلة وحتي لا ينفلت زمام الامرحرصنا ان يكون الدواء سلعة يتم تسعيرها حتي لا يرتبط سعر الدواء بالوفره والندره اوبمعايير السوق التجارية التقليدية ومع ذلك فان ارتفاع قيمة صرف العملات الحره مقابل العملة الوطنية قفز بهذه الاسعار بصورة خرجت عن قدرات المواطن ذو الدخل العادي. بينما صار الفقير عاجز تماما..
وصفة لعلاج الأزمةوحتى يتمكن المواطن من الحصول على دواء يتناسب سعره مع الدخل قال ان ذلك يتمثل في اكثر من جهة في مقدرتها رفع كل الرسوم على الدواء بشقيها الرسوم المباشرة وغير المباشرة عن قطاع صيدليات المجتمع ولا تبقى الا الضريبة وذلك حتى نتمكن من هذه الصيدليات من اجراء التخفيض خاصة ان الرسوم التي تحصل من الصيدليات تتجاوز 10 رسوم تتمثل في الرخص، المحلية، الشؤون الهندسية، النفايات.. الدفاع المدني.. دمعة الجريح وجبايات اخرى..
كما ان الضرائب على الدواء في صيدليات المجتمع تتم دون اعتبار لطبيعة السلعة ومقتضيات نقلها وحفظها وصرفها بواسطة كادر مؤهل وفي مكان لائق ومهيأ وفقا لمواصفات وشروط ادارة الصيدلة والسموم ودون اعتبار لمهنية هذا القطاع الذي يجب معاملته بعيدا عن النظرة التجارية وكأنه مصرف للجبايات.
كما ان تغيير دور الامدادات من مصلحة خدمية لهيئة تجارية جاء على حساب الشرائح الاجتماعية الفقيرة.. فرغم انخفاض اسعار الامدادات نجد ان الادوية المستديمة لامراض السكري والضغط والربو وامراض القلب لازالت فوق طاقة المواطن ولم يساهم هذا الانخفاض المحدود في رفع الاعباء الضريبية.
ويرى دكتور نصري في ختام افادته (ان الجهة التي نسميها خدمية في حالة تقديم العلاج مجانا كحق مكفول للمواطن نهج معمول به في الدول الغنية.. وان هذه الجزئية ان اردنا ردها للتأمين الصحي فقد ثبت وفق تقارير آخر ورشة خاصة بالتأمين الصحي عدم ايفاء التأمين الصحي للغرض المناط به وعليه يجب ان تكون الامدادات الطبية اداة التأمين الصحي على مستوى المؤسسات الصحية العاملة بالدولة.
دكتور صلاح عمر ابراهيم مدير احدى شركات الادوية يقول ان العملية العلاجية متكاملة تبدأ بكشف الطبيب وتنتهي بالوصفة الطبية التي لا تتمثل في الغالب الا جزئية من العلاج ويجب النظره للعملية بصورة متكاملة.
بالنسبة للامدادات فقد تغيرت وظيفتها من جهة خدمية تقدم الدواءللمستشفيات الحكومية مجانا وصارت شركة تبيع للقطاعين العام والخاص ويفترض ان تأتي اسعارها اقل بكثير من اسعار السوق لانها تشتري بكميات كبيرة.
من الصحافة:الصحافةكانت حريصة على الاستماع لادارة الامدادات الطبية بيد انها ورغم حرصها على لقاء المسؤولين في هذا المرفق الاستراتيجي عجزت تماما من الوصول للمدير العام رغم السعى الدؤوب الذي استمرلشهور وآخر المحاولات خطاب الصحافةلمدير الامدادات الطبية بشأن الدواء الذي تسلمته الهيئةيوم الاربعاء 31 يناير الماضي ولم نفاد ورغم ذلك سنسعى في الحلقةالثانيةللجلوس لادارة الامدادات الطبية وادارة الصيدلة والسموم بوزارةالصحة.. والجهات المعنية الاخرى.

ليست هناك تعليقات: