الثلاثاء، 15 يوليو 2008

الدواء في السودان -1



المطلوب إزالة كافة الرسوم وفتح الباب أمام الشركات المنتجةمدير الإمدادات:
ارجوك اكتب للخيرين وأسألهم توفير الدواء لابني.. انه الشيء الوحيد الذي خرجت به من الدنيا.. انه يدفع ثمن فقري وعوزي وعدم قدرتي على توفير قيمة الدواء.. اعذرني انه.. الامل الوحيد الذي خرجت به من الدنيا)..
كانت تلك الرسالة المعنونة للصحافي خليفة حسن بلة مدخلنا لفتح ملف الدواء.. وكنا في حلقتنا الاولى قد استمعنا لمعاناة المرضى ووقفنا على آراء الاطباء والصيادلة وشركات استيراد الدواء الذين اجمعوا على ان سعر الدواء فوق طاقة اهل السودان.. واتفقوا على ضرورة مراجعة السياسات المتعلقة بالعملية العلاجية.. كما طالبوا بازالة التشوهات الموجودة في الدواء المتمثلة في الضرائب والرسوم وكافة الجبايات اضافة لمراجعة سياسات الهيئة العامة للامدادات الطبية والادارة العامة للصيدلة الاتحادية.
وفي هذه الحلقة نواصل الغوص في بحر الدواء.. لنلتقي بالمختصين من الاطباء وادارة الامدادات الطبية وادارة الصيدلة التابعة لوزارة الصحة الاتحادية لنقف على رؤاهم حتى يغدو سعر الدواء في متناول الشرائح الفقيرة التي يندرج تحتها اكثر من 90% من اهل السودان.
تحقيق بله علي عمر
الإدارة العامة للصيدلة: كــل الدول الإفريقيــة عدا الســـــــودان الغــــت الجمــــارك والرســـوم على الــدواءهيئة الصحة العالمية ومبادرة باماكو
الدكتور محمد المهدي مندور المدير العام للامدادات الطبية رفض ان تكون سياسات الامدادات وراء ارتفاع الاسعار. وقال ان الامدادات كانت مصلحة خدمية توزع الدواء مجانا.. وفي فترة الثمانينات عجزت الدولة عن توفير المال لشراء وتوزيع الدواء مجانا.. الفشل لم يكن وقفا على السودان.. كل الدول لم تعد لها القدرة.. مما دفع منظمة الصحة العالمية لاطلاق مبادرة (باماكو) التي هدفت لتغيير النمط المجاني الى مبدأ مشاركة المرضى تكلفة العلاج.. من هذا المنطلق ونتيجة للمعاناة التي كان يمر بها المجتمع ولانعدام الدواء في مؤسسات القطاع العام والخاص تحولت الامدادات من مصلحة حكومية لهيئة عامة تعمل وفق مبدأ استرجاع القيمة.. الهيئة مؤسسة غير ربحية تهدف لتوفير الدواء ذي الجودة العالية والتكلفة القليلة لخدمة القطاعات الفقيرة.. والمستهلك يشعر تماما بالدور الخدمي للهيئة عندما يقارن اسعار الهيئة بغيرها ويشعر بالفارق.
الشراء عبر العطاءاتوحول ميزة الشراء عبر العطاءات قال المدير العام للامدادات الطبية ان هذه الميزة يلمسها المرضى من خلال الاسعار التي تقل عن اسعار السوق بحوالى 40% في بعض الاحيان خاصة الادوية غير المحتكرة ، ولعل ميزة الانتشار التي تتمتع بها ادوية الامدادات ما كان لها ان تتأتى لولا ميزة انخفاض الاسعار كثيرا عن اسعار القطاع الخاص.
الجبايات والرسوم وراء الأزمةوحول تجاوز الامدادات للوائح المنظمة للتسجيل يقول الدكتور مندور ان الهيئة منذ بداية التسجيل في ستينات القرن الماضي تعمل وفق التسجيل المؤقت اذ تقوم لجنة العطاءات (وهي لجنة تضم كل المتخصصين بما فيهم ادارة الصيدلة) بالنظر في كل التفاصيل الفنية الخاصة بهذه الاصناف وفق شروط تسجيل الدواء بالبلاد ويقوم الوكيل الذي يرسى عليه العطاء باكمال اجراءات التسجيل في ادارة الصيدلة الاتحادية وهذا يعني ان ذات الشروط الفنية التي يستورد وفقها القطاع الخاص تعمل بها الهيئة.
وعزا المدير العام للامدادات ارتفاع اسعار الدواء الى الجبايات المفروضة على الادوية والتي تمثلها الجمارك ودمغة الجريح ورسوم هيئة الموانيء والمطارات اضافة لتكاليف التخليص والترحيل.
لا وجود للمميزات التفضيليةوحول المميزات التفضيلية التي تحصل عليها الامدادات ولا تنعكس على المرضى يقول الدكتور محمد المهدي مندور ان الامدادات لا تمنح أي مميزات تفضيلية اذ انها تقوم بدفع كافة الضرائب والرسوم ولا تستثنى إلا من ضريبة ارباح الاعمال ومشروع الدواء الدوار الذي يعمل به في مستشفيات القطاع العام والذي يشكل 30% من جملة الدواء.
بالنسبة للضرائب والزكاة فقد تقدمنا لوزارة المالية لالغائها حتى نضمن وصول الدواء للفقراء والمساكين بأقل الاسعار الممكنة وقلنا انه لا يمكن للدولة اخلاقيا ان تعيش على ارباح تجنيها من الطبقات الفقيرة في المجتمع.. وقد تفهمت المالية الامر وأصدر الوزير قرارا بعدم سحب اي فوائض من الهيئة على ان تسخر في زيادة التغطية الدوائية.
الدور الخدمي للإمداداتويمضي المندور للحديث عن الدور الخدمي للامدادات ويقول ان ذلك نلمسه من خلال التزام الهيئة بتوفير ادوية الحوادث والعمليات رغم عدم توفر التمويل الكافي من وزارة المالية إذ بلغت جملة ديون الهيئة على الوزارة (12) مليار دينار عن عام 2003م كما لم تقم الوزارة بدفع قيمة العلاج المجاني منذ يناير الماضي.. بل ان الهيئة قامت بتوفير الادوية لكل الولايات الجنوبية لستة اشهر رغم عدم الدفع.
وحول ارتفاع اسعار الادوية في البلاد مقارنة بجمهورية مصر العربية قال المدير العام للامدادات الطبية ان الادوية بمصر اقل سعراً لعدد من الاسباب اهمها ان الصناعة الدوائية المصرية بدأت عن طريق القطاع العام وظلت الدولة تدعم هذا القطاع حتى تقل تكلفة الانتاج وتنعكس في خفض الاسعار. كما ان الصناعة الوطنية المصرية تكاد تفي بمعظم احتياجات السوق المصري. ولكن الدواء بالسودان مقارنة بالدول الاخرى فانه اقل سعرا عن معظم الدول العربية ومازال السودان يتبع سياسة التسعير كأهم متطلبات التسجيل رغم اعتراض المستوردين.
لا نحتكر.. لا نضع الأسعار!!وعندما قاطعته بالتساؤل: ولكن الامدادات تحدد اسعارها وفق هواها اجاب قائلا (الامدادات تحدد اسعارها وفق اسعار العطاءات الفائزة وهي اسعار متدنية مقارنة بالاسعار المسجلة بالبلاد ثم تضع الرسوم المصلحية التي تقوم بتحديدها وزارة المالية ـ ونفى مدير عام الامدادات الطبية ان تكون للهيئة افضلية احتكار توفير الدواء لمؤسسات القطاع العام مشيرا الى ان ادارات هذه المؤسسات تلجأ للقطاع الخاص عندما تكون له افضلية وحول لجوء الامدادات لاستيراد الادوية من شرق آسيا والتي يرى المراقبون للسياسات الدوائية انها اقل نسبيا في الجودة عن الانتاج الاوروبي كما تتميز بتدني الاسعار قال مدير الامدادات ان جودة الدواء محكومة بالمعايير العالمية ووفقا لدساتير الادوية الموجودة بالسودان. كما ان الامدادات ضماناً منها للجودة تقوم بفحص هذه الادوية في كافة المراحل بمعملها الذي تم تطويرها وبالمعمل القومي.حتى يكون العلاج متاحاًوللخروج من الازمة يرى الدكتور محمد المهدي مندور ان المطلوب اعادة النظر في اسعار الادوية المسجلة لان هنالك العديد من الادوية سجلت في السنوات الماضية بأسعار عالية ويتطلب الامر مراجعتها اضافة لضرورة الغاء كافة الرسوم والجمارك وتوسيع لجان التسجيل لزيادة اعداد شركات الادوية ضمانا لدخول شركات جديدة مما يؤدي لزيادة المنافسة بين الشركات بما ينعكس على خفض الاسعار. كما ان اتباع سياسة وصف الادوية عبر الاسماء الجنسية اختصارا للاسماء العلمية مما يوفر للصيدلي الفرصة في اعطاء الدواء المناسب حسب حالة المريض.
كما ان توسيع وضبط قنوات التوزيع على مستوى الولايات امر حيوي لضمان توفر الدواء بأشكاله المختلفة بالوحدات الصحية للقضاء على ظروف الندرة التي تعيشها بعض المناطق النائية.
إدارة الصيدلة وبحث سبل التخفيضالدكتور زين العابدين عباس الفحل مدير ادارة شؤون الدواء بالادارة العامة للصيدلة الاتحادية يقول ان هنالك مشكلة تتطلب الحل.. اذ لابد ان يخضع الدواء للضوابط الصارمة حتى تكون اسعاره في متناول كافة الشرائح الاجتماعية.. .. مضيفا ان الادارة تسعى لتقليل الاسعار.. مستصحبة سعر الدواء ببلد المنشأ والدول المسجل بها لتخلص الادارة الى أقل الاسعار وفي هذا المجال فقد قامت الادارة بخفض الاسعار في كثير من الحالات بصورة تبرّم منها الوكلاء الذين تقدموا باستئنافاتهم ضد قرارات التخفيض.
وكشف الدكتور زين العابدين ان السعر الذي تضعه الإدارة العامة للصيدلة هو سعر الميناء الذي تضاف اليه بعد ذلك زيادات اخرى هي الجمارك 10 ـ 15% ـ دمغة الجريح 1% ـ المواصفات 2% ـ ضريبة ارباح الاعمال ـ الوكيل 15% والصيدلة 15%.
السودان مقارنة بالدول الإفريقيةومن خلال تلك الرسوم.. والحديث للدكتور زين العابدين عباس ـ فان الادارة العامة للصيدلة ترى ان هنالك عبئا اضافيا على المريض من خلال هذه الزيادات فمثلا المواصفات تحصل على 2% رغم عدم علاقتها بجودة الدواء التي يقوم بتحديدها المعمل القومي التابع لادارة الصيدلة وهناك دمغة الجريح 3% كما ان نسبة الجمارك عالية وفي مقارنة بالدول الافريقية التي لمست الادارة سياساتها عبر منظمة الصحة العالمية وجدنا ان هنالك دولا اقل دخلا من السودان قامت بالغاء الرسوم الجمركية وغيرها مما دفع الادارة بتبني مثل هذا التوجه.
المطلوب: تغيير المفاهيمالدكتور محمد الحسن علي إدارة الصيدلة قسم تسجيل الادوية طالب بضرورة تغيير المفهوم السائد عن الصيدليات وإلغاء النظرة الاستثمارية واعتبارها مؤسسات تجارية تفرض عليها الرسوم والجبايات والضرائب ورسوم المحليات وغيرها وان تكون النظرة لها كمثيلاتها في السلسلة العلاجية مما يخفف العبء عليها ويجعلها تسهم في خفض الاسعار.
في إنتظار البحوثالدكتور خالد ابراهيم الفضل مدير الخدمات الصيدلانية والتخطيط بالادارة العامة للصيدلة يقول ان الادارة تدرك ان هناك عدد من المشاكل في التعامل مع الادوية منها وفرة الدواء.. هل هو موجود ام لا ؟ والوفرة الجغرافية وهل هو في متناول كافة الشرائح بالنسبة للاسعار؟
الشاهد انه لم يسبق اجراء مثل هذه المسوحات مما دفع الادارة لتصميم بحوث تجيب على هذه التساؤلات للوقوف على مدى غلاء الدواء.
والادارة في إطار اهتمامها بخفض الاسعار مكنت للشركات المستوردة تسجيل الصنف الواحد من عدة مصادر منتجة حتى يكون هنالك تباين في الاسعار يتيح لجميع المواطنين الحصول على الدواء دون مساس بالجودة. كما تقوم الادارة باجراء مسح بعد التسويق (Post Market Survay) للتأكد من الالتزام بالجودة والمحافظة على الاسعار بما يضمن تقييدها بسعر الدواء المسجل.الإمدادات الطبية لا تحظى بأية مميزات تفضيلية رغم دورها الخدمي الإستراتيجي
من المحررحول أسعار الدواءاذا كان للدولة في القرن الماضي دوران نحو مجتمعها هما دور الدولة الخادمة والدولة الحارسة فقد تغيرت هذه المفاهيم في الالفية الثالثة.. فقد اختفت تماما الدولة الخادمة وغدت الدولة بمفهومها الجديد مجرد رقيب على الحراك الاقتصادي والاجتماعي مع بعض حالات التدخل عند الضرورة.. هذا الامر بات ملموسا جدا مع انتهاج سياسات التحرير الاقتصادي والعولمة.غير ان وجود الدولة وتدخلها في امور مثل الدواء يبقى امرا حيويا.. ذلك لعدم وجود التكافؤ بين منتج الدواء ومستهلكيه فصارت الدول هي التي تحدد اسعار الادوية حتى في اكثر الدول التزاما بالتوجه الرأسمالي.وفي السودان اجمع المرتبطون بأمر الدواء على انه بات فوق طاقة المستهلك وانه لابد للدولة من التدخل لمراجعة العملية العلاجية.. غير ان اللافت للنظر ان ارتفاع الاسعار التي يشهدها قطاع الدواء وكل العملية العلاجية ناجمة عن غلو اجهزة الدولة في فرض الرسوم والجبايات.. أي ان الدولة لم تقف مجرد رقيب على حركة الدواء وعلى تنافس المنتجين وانما سلطت عليها آليات الجباية التي فاقت رسومها العشر جبايات من جمارك وارباح اعمال وضرائب ومواصفات ورسوم ترخيص ورسوم محليات نظير الامن والدفاع المدني والنفايا ودمغة الجريح ورسوم موانيء ومطارات وغيرها اضافة لارباح الوكلاء التي تبلغ 15% من جملة التكاليف وهنالك ارباح الصيدليات التي تصل الى 20% مما يعطي الانطباع لدى المريض بان هذه الجهات كأنما تسعى لتطبيع المرض بدلا من العمل على اقتلاعه.
وفي قراءة لسياسات بعض دول الجوار الافريقي التي يقل دخلها عن السودان وكما تشير تقارير منظمة الصحة العالمية فقد قامت هذه الدول بالغاء كافة الرسوم المفروضة على الادوية من ضرائب وجمارك وغيرها. كما انها قامت بخفض ارباح الوكلاء خاصة ان هنالك نسبة مقدرة في التخفيض تحصل عليها شركات الوكلاء من المنتجين.
ان على الدولة التدخل لحماية شريحة المرضى خاصة وان نسبة الفقر في السودان بلغت من المعدلات 90% حسب احصاءات مركز البحوث الرسمية ـ والمعالجة تأتي من خلال استصدار القرارات الخاصة بالغاء كافة انواع الرسوم والجبايات واعادة النظر في ارباح وكلاء المنتجين.

ليست هناك تعليقات: