الثلاثاء، 15 يوليو 2008

محمد ابراهيم عبده (كبج) للصحافة: (2 ــ 2)



ميزانية 2005م جاءت تقليدية وهي امتداد لميزانيات الاحترابالزراعة التقليدية التي تستوعب الغالبية حظيت بـ (330) مليون دينار، ومنازل الوزراء (656) مليونا ؟اذا كنا نريد لوطننا الحبيب ان يخرج من حالة المخاض الراهن سليماً ومعافى لابد لنا من العمل على فتح كافة الدمامل المرضية في جسده والعمل على استئصال الخلايا الميتة وتلك الملتهبة القابلة للانفجار.(الصحافة) وايماناً منها بضرورة ان تأتي حالة التشريح الراهنة لقضايا الوطن وشاملة حتى تعود العافية لجسد الوطن وينعم اهله بالاستقرار كان لابد لنا من تسليط الضوء على الكيفية التي كانت توزع بها عائدات الثروة في السنوات القليلة الماضية حتى يمكن تلافي الاخطاء التي كادت ان تعصف بالبلاد جراء الغبن الاجتماعي الذي لحق بعدد من ولايات واجزاء البلاد وذلك عبر الحوار التالي الذي تجريه مع المراقب للشؤون الاقتصادية محمد ابراهيم عبده كبج.. وكان مدخلنا للحوار تلك الرؤية التي قدمها كبج في إجتماع المانحين باللجنة المشتركة (جام) لتقدير احتياجات مابعد السلام.* ذكرتم في الحلقة الماضية عن وجود تشوهات في قسمة الموارد ناتجة عن توزيع غير عادل للثروة ، فهل مضت ميزانية العام 2005م على ذات التوجه ؟< ان سياسات وممارسات حكومة الانقاذ من المركز الاتحادي نحو الولايات المختلفة لم تكن وليدة فترة حكم الانقاذ لوحدها ، بل ان هذا التشوه لدور المركز نحو الولايات او الاقاليم قد ساد منذ عهد الاستعمار البريطاني وامتد خلال فترة الحكم الذاتي ثم الاستقلال وتواصل حتي تاريخه ، وقد كان لدور الانقاذ ترسيخ ذلك الاتجاه المشوه حتي وصل بنا الي هذه الحرب المشتعلة في كافة اركان السودان. بالطبع كان للاستعمار البريطاني مصالحه الاقتصادية بجانب مهام ادارته للسودان لتحقيق تلك المصالح وعليه فقد اتخذ قرارات اقتصادية مثل انشاء السكة حديد ومشروع الجزيرة والمشاريع المروية عموما على النيلين وهدف من ذلك لتصدير خام القطن لمصانع لانكشير وترك القطاع التقليدي دون تنمية وذلك لصعوبة الاستثمار في هذا القطاع الذي تكون فيه عائدات استثماره قليلة العائد وبطيئة المردود، وكان من المفترض ان تكون السياسات بعد الاستقلال متجهة نحو هدف تصحيح تلك التنمية غير المتوازنة والخدمات الاجتماعية غير المتوازنة لان واجبات الحكومات الوطنية المتعاقبة تختلف عن واجبات الاستعمار كما ذكرنا آنفا ، اذ يفترض ان تكون من العدالة بمكان ان تكون وجهة السياسات والممارسات الاقتصادية للحكومات الوطنية المساواة بين الناس في القطاع الحديث حول النيل او القطاع التقليدي في المناطق التقليدية ، ولكن للاسف لم يحدث ذلك وقد كان جهدالحكومات الشمولية والديمقراطية ضئيلاً في هذا الاتجاه وبمستويات متفاوتة بينها . * دعنا نتحدث عن الجديد في ميزانية 2005م؟< قبل مطالعة ميزانية العام 2005م دعنا نرجع قليلا لنقارن تفاصيل الايرادات الذاتية الفعلية والانفاق الحكومي الكلي للميزانية الاتحادية قبل وبعد البترول ، ففي عام 1998م قبل انتاج وتصدير البترول كانت جملة الايرادات الذاتية للميزانية الاتحادية تقل قليلا عن (160) مليار دينار وقفزت الى (947) مليارا في 2004م اى تضاعفت حوالي (6) مرات ، ومن المتوقع حسب ميزانية 2005م ان ترتفع الايرادات الذاتية الي ترليون و 275 مليارا أى (1275 مليار) دينار ، لقد كانت الميزانية قبل البترول تعتمد اعتمادا كليا على الضرائب المباشرة وغير المباشرة ، ففي عام 1998م كانت الضرائب المباشرة وغير المباشرة تساوي حوالي 73% من جملة الايرادات، ولكن وبدخول البترول ضمن الايرادات للحكومة الاتحادية فقد حدث تحول نوعي في تركيبة الميزانية واصبحت نسبة الضرائب المباشرة وغير المباشرة في عام 2004م تساوي 44% من جملة الايرادات الذاتية، وجاءت ايرادات البترول في تلك السنة بنسبة 47% من جملة الايرادات ، ومن المتوقع في ميزانية 2005م ان ترتفع الايرادات الذاتية للميزانية الى 8 اضعاف عما كانت عليه في 1998م ، وهنا ايضا من المتوقع ان تكون نسبة مساهمة البترول حوالي 55% من الميزانية ،وذلك على اساس افتراض ان عائد برميل البترول الخام سيكون في حدود (30) دولارا كمتوسط خلال عام 2005م ، وبالطبع فإن زيادة اسعار البترول عن هذا المتوسط او زيادة كميات المنتج ستكون هنالك عائدات اضافية للايرادات وستنشأ ازمة كبيرة اذا انخفض سعر خام البترول الي اقل من ذلك . * ولكن وزير المالية اكد عدم وجود اعباء ضريبية جديدة ؟< نعم وعد الوزير بذلك ، وبالطبع فإنني انظر للميزانية الجديدة بانها خطة لمدة عام بعد اتفاقية السلام التي وقعت اخيرا ويتوجب فيها رفع عبء الضرائب غير المباشرة التي تقع علي كاهل كل المواطنين بلا استثناء ، خاصة ان اغلبية المواطنين من الفقراء واننا وعندما نتفحص حقيقة امر الضرائب غير المباشرة نجد انها قد ارتفعت من 85 مليارا في عام 1998م الى 346 مليارا في عام 2004م وهذا يعني انها قد تضاعفت اربع مرات ما كانت عليه في العام 1998م ، كما ان الميزانية الجديدة قد حددت ربطا للضرائب غير المباشرة بما يزيد عن (372) مليار دينار في العام الجديد 2005م ، وهذا يعني ان المتوقع من الضرائب غير المباشرة في الميزانية الجديدة يزيد عن جملة الضرائب غير المباشرة في العام 2004م وذلك بمقدار 26 مليار دينار . * ولكن الزيادة الجديدة تتم من خلال توسيع المظلة الضريبية ؟< انك هنا تسأل عن الضرائب المباشرة والناتجة عن ارباح الاعمال عموما في السودان ، وقد تحدثنا في الفقرة الماضية عن الضرائب غير المباشرة والتي تنتج عن الضرائب الجمركية والضرائب من رسوم الانتاج الصناعي ، اما الضرائب المباشرة فقد قفزت من 31 مليارا عام 1998م الى 71 مليار دينار في 2004م ، ومن المتوقع ان تصل الى 95 مليار دينار في 2005م ، وهذا يعني ان الضرائب غير المباشرة قد ارتفعت الى 229% مقارنة بعام 1998م ،ومن المتوقع ان ترتفع الى 304% في عام 2005م مقارنة بعام 1998م ،وهذا يعني ان الضرائب المباشرة سوف ترتفع الى ثلاثة اضعاف ما كانت عليه في 1998م في حين ان الضرائب غيرالمباشرة سترتفع الى نسبة اعلى في 2005م وهي نسبة 438% عما كانت عليه في 1998م وعليه فإن العبء الاكبر يزداد على اكتاف الفقراء ويزداد بدرجة أقل على اكتاف رجال الاعمال. * هذا توجه يتضارب مع السياسات المعلنة في كبح الفقر ؟< نعم هذا استنتاج صحيح ، وكلنا كان يأمل في سياسة ضريبية بديلة تراعي الفقراء في السودان وتقلل من نسبة الضرائب غير المباشرة كجزء من برنامج محاربة الفقر ، كما انه يتوجب ان تكون الضرائب المباشرة على الاعمال أقل وطأة على الداخلين الجدد لمجال العمل وأن لا تشملهم الضريبة المباشرة حتي يتاح لهم الافلات من دائرة الفقر وكجزء من سياسة مواجهة الفقر ، ولكن على النحو الاخر يمكن تعويض النقص المتوقع للضرائب غير المباشرة باتخاذ سياسات صارمة تجاه الذين يحتالون بقانون تشجيع الاستثمار ويدخلون تحت مظلته دون وجه حق بضائع للسوق مباشرة وليست للانتاج او الاستثمار ونحن لا نتحدث من فراغ. * حتي لا تتحدث من فراغ نريد الوقوف في هذا الامر بالارقام ؟< لقد اشار السيد وزير المالية في خطابه حول الميزانية للعام 2003م الى ان هنالك من يستغلون قانون تشجيع الاستثمار للافلات من دفع الضريبة الجمركية ، وهذا قد احدث تشوها في السوق اذ ان دافعي الضرائب الجمركية لا يستطيعون منافسة اولئك الذين نالوا اعفاء جمركيا بناء على قانون الاستثمار ووجهوه للسوق ، وكما جاء في حديث السيد سعد يحيي المدير العام الاسبق لديوان الضرائب والمستشار الحالي لوزير المالية لشئون الضرائب (ان عام 2001م قد شهد ادخال سلع تحت قانون تشجيع الاستثمار) وكانت جملة الاعفاءات الجمركية 76 مليار دينار ذهبت منها بضائع معفاة من الضريبة الجمركية مقدارها 60 مليار دينار لمافيا الاعفاءات الجمركية ، وهذا يعني ان الاعفاءات الجمركية التي ذهبت بطريقة سليمة لتشجيع الاستثمار مقدارها 16 مليار دينار وهذا يعني ان الاعفاءات الجمركية بقانون تشجيع الاستثمار والتي ذهبت الي جيوب بعض التجار دون وجه حق تساوي اربعة اضعاف تلك التي ذهبت لتشجيع الاستثمار الحقيقي. اضف الى ذلك رجال الاعمال المعفيين من الضريبة قد بلغت جملة اعفاءاتهم مبلغ 50 مليار دينار، وهذا يعني ان من جملة الاعفاءات الجمركية واعفاءات الضرائب من ارباح قد بلغت ما جملته (126) مليار دينار وذلك من جملة الايرادات الذاتية الكلية لعام 2001م التي بلغت (350) مليار دينار ، وهذا يعني ان نسبة الاعفاءات قد بلغت 36% من جملة الايرادات لذلك العام. ورغم هذه الاعفاءات المتضخمة نجد ان الانفاق على التعليم قد بلغ 4ر8% من اجمالي الانفاق العام في عام 97 ــ 1998م قبل البترول .. الغريب ان الانفاق على قطاع التعليم قد انخفض بعد انتاج وتصدير البترول الى 2ر7% عام 98 ــ 1999م ثم الى 70ر7% عام 99 ــ 200م ثم انخفض الي 4ر6% في ميزانية 2000 ــ 2001م ثم 9ر6% عن 2001 ــ 2002م ، وهذا يعني ان النسبة المئوية للانفاق على التعليم من اجمالي الانفاق تقل عن النسبة التي تم انفاقها عام 1998م قبل البترول . اي ان كل الاضافات والايرادات التي احدثها البترول في الموازنة لم تؤد على غير المتوقع الى ارتفاع نسبة الانفاق على التعليم. * ماهي ابرز ملامح الانفاق في الموازنة الجديدة ؟< علينا استعراض تطورات جملة الانفاق العام للحكومة الاتحادية التي قفزت من حوالي 158 مليار دينار سنة 1998م قبل البترول الى 1104 مليار دينار في العام 2004م ، اى ان جملة الانفاق قد تضاعف (7) اضعاف مما كان عليه في عام 1998م ، ومن المتوقع حسب الميزانية الجديدة 2005م ان يرتفع اجمالي الانفاق الى (1451) مليار دينار اي انه قد تضاعف تسعة اضعاف ما كان عليه في 1998م . * ماهي ابرز اوجه الصرف بهذه الارقام الفلكية المتصاعدة ؟< منذ مدة طويلة توجه الانفاق للأمن والدفاع ففي عام 1993م كانت نسبة الانفاق على الأمن والدفاع تساوي 66% من جملة الانفاق العام لترتفع هذه النسبة الى 68% عام 2001م ثم غدت هذه النسبة تزيد عن 71% عام 2002م و 77% في عام 2003م والحال انها قد كانت (206) مليار دينار في 2000 وارتفعت الى 434 مليار عام 2003م. * ولكن الحرب وضعت اوزارها منذ 2000م ؟< هذا صحيح اذ ان الحرب الساخنة في كل الجبهات قد توقفت تقريبا منذ ذلك الحين وعليه فقد كان الواجب يحتم مراجعة الانفاق علي الامن والدفاع لتزيد من جيوش المعلمين والمعلمات وجيوش الكوادر الصحية حتي تفتح الباب واسعا امام تحقيق السلام المستدام والوحدة الطوعية علي اسس جديدة ويبدو ان لوزارة المالية اسبقيات اخري .ونجد ايضا ضرورة الاهتمام بزيادة الانفاق علي التعليم والصحة والمياه الصالحة لتأمين السلام والوحدة ، فقد اعلن وزير المالية ان عام 2003م هو عام المياه ورصد لذلك مبلغ 6 مليارات دينار ورغم ان الايرادات الذاتية للحكومة الاتحادية عام 2003م قد ارتفعت وتجاوزت مارصد لها في الميزانية وبلغت جملتها 704 مليار دينار بحيث اصبح مارصد لقطاع المياه في الميزانية اقل من 1% من اجمالي الايرادات الا ان وزارة المالية قد قلصت الصرف علي قطاع المياه من 6 مليارات المرصودة في الميزانية الي 1.3 مليار دينار فقط ، وهذا يوضح الخلل في اسبقيات الانفاق بوزارة المالية خاصة ان المياه ضمن المجالات الرئيسية التي يتوجب تطويرها وتنميتها لمحاربة الفقر .و هنالك حقيقة مزعجة اذ اننا قد قمنا بصرف حوالي 25% من جملة الانفاق العام على الخدمات الاجتماعية في عام 1996م وتراجعت هذه النسبة الى 19% عام 1999م بعد انتاج وتصدير البترول ثم تراجعت مرة اخري الى 9% في عام 2002م وانحدر الانفاق على الخدمات الاجتماعية الى اقل من 5% في عام 2003م وهكذا تنحدر نسبة الصرف على الخدمات الاجتماعية بطريقة طردية مقارنة بما طرأ من ايرادات اضافية ضخمة من البترول . ونحن عندما نتحدث عن الانفاق المتزايد على الأمن والدفاع ندرك اهمية الصرف على هذا القطاع الاستراتيجي ، ولكن على النحو الآخر فإن ضعف الانفاق الاجتماعي يزيد من الاعباء الأمنية كما اثبتت احداث دارفور، ونشير هنا الى ان ، وزير المالية قد صرح بأن ما انفق اضافة للأمن والدفاع والاغاثات لدارفور عام 2004م قد بلغ 52 مليار دينار ويمكن مقارنة هذا الرقم بجملة التحويلات من الحكومة الاتحادية لولايات دارفور الكبري لمدة (5) خمس سنوات متتالية ، قد كان (12) مليارا وخمسمائة مليون دينار ، اي ان ما صرف على الحرب والدفاع والاغاثات الناجمة عن الحرب في عام 2004م يساوي خمسة اضعاف الدعم المركزي لدارفور الكبري خلال (5) اعوام. وهنا لابد من اضافة حيوية وهي أنه اذا تم الانفاق على الأمن والدفاع بمقدار 100% من الايرادات ولم يصرف على القضية الاجتماعية اىة مبالغ فإن هذا لا يؤدي لاستتباب الأمن والسلام. اذ أن عدم الانفاق على القطاعات الاجتماعية سيفجر النزاعات العسكرية والسياسية بصورة تهدد وحدة السودان وأمن مواطنيه . * ماهي ابرز ملامح ميزانية العام 2005م ؟ابرز الملامح انها تسير علي ذات النهج التقليدي السابق رغم انف اتفاقية السلام واجواء السلام من نيفاشا ، ففي هذه الميزانية نجد ان الانفاق الاتحادي يسير على ذات الوتيرة القديمة ، ان تقديرات الاجور في الفصل الاول قد غطت ما يزيد عن 73% من جملة الاجور لقطاع الدفاع والأمن والشرطة وقد كان هذا القطاع يزيد قليلا عن 67% من جملة ميزانية عام 2004م وهذه الزيادة تقدر بحوالي 45 مليار دينار في عام 2005م مقارنة بعام 2004م ، أى أن مرتبات قطاع الدفاع والأمن والشرطة قد زادت بنسبة 34% عن العام الماضي في حين ان تقديرات قطاع التعليم قد انخفضت من حوالي 27 مليارا الي 15 مليارا اى الي اقل من 60% عما كان عليه في عام 2004م وذلك نسبة لان الحكومة الاتحادية كانت تدفع مرتبات التعليم العالي في جميع الولايات ولكن في الميزانية الجديدة يتعين على كل ولاية دفع مرتبات التعليم العالي داخل الولاية ، وعلي هذا فإننا نجد ان جملة مرتبات قطاع التعليم وقطاع الصحة والقطاع الاداري والاجتماعي تساوي 12% فقط من جملة الاجور وعندها نأخذ جملة الفصل الاول الاجور مع الفصل الثاني وهو التسيير في الميزانية الحالية نجد ان قطاع الدفاع والأمن والشرطة يستحوذ على ما يزيد عن 69% من جملة هذين الفصلين، ليس هذا فقط بل ان الميزانية ترصد لبند المصروفات الممركزة مبلغ «257» مليارا منها مبلغ «73» مليار دينار تذهب لاحتياطي الطوارئ وهي في اغلبها توجه للصرف الاضافي على الامن والدفاع في حين ان جملة الدعم الاجتماعي قد رصد له مبلغ «30» مليار دينار وذلك لدعم استهلاك الكهرباء ودعم الصندوق القومي لرعاية الطلاب والدعم الصحي وهكذا يمكن مقارنة هذا مع ذلك وتلك قسمة ضيزي خاصة مع ميزانية تمثل اول سلم ميزانيات اتفاق السلام.* ماذا عن دعم الولايات الذي كان محور الحديث في الحلقة الاولى؟ والذي صار محور حديث طويل للحكومة؟ان حديث الحكومة الذي يشير الي ان عام 2005م قد ارتفع فيه المبلغ المرصود للفصل السادس والخاص بالتحويل للولايات الى «499» مليار دينار مقارنة بما رصد في العام السابق الذي يبلغ «99» مليار دينار فقط.لابد من الاعتراف ان تحويلات الولايات لهذا العام قد شهدت قفزة كبرى ولكن دعونا نقوم بعملية تشريح هذا البند لمزيد من التوضيح.ان هذا الفصل يشمل تحويلات حكومة الجنوب بعد ان تم توقيع اتفاقية نيفاشا وقد رصدت لحكومة الجنوب «274» مليار دينار ومائتي مليون دينار هذا وفق الميزانية الجديدة وقد تم اعتماد مبلغ «21» مليارا فقط لحكومة الجنوب في العام السابق ، وهذا يعني ان تحويلات المركز لحكومة الجنوب قد تضاعفت ما يزيد عن «13» ضعفا ، وهي تستحق ذلك بناء على اتفاقية قسمة الثروة وبناء على المطلوب انجازه في جنوب السودان الذي كان ميدان المعارك العسكرية الرئيسية.* وماذا عن بقية الولايات الأخرى؟بلغت تقديرات الولايات الاخرى في الميزانية «90» مليار دينار، وقد كانت في العام السابق «62» مليار دينار وفيه كان يتم تحويل من المركز لمشروعات التنمية في الولايات ، ولكنها هذه المرة تم تضمينها ضمن مبلغ «499» مليارا، وجملتها في هذه الميزانية «39» مليار دينار ، كما تم بناء على اتفاق نيفاشا تحويلات تنموية لجبال النوبة والنيل الأزرق وابيي ومقدارها هذا العام «11» مليار دينار وقد تم تضمينها في هذا الفصل، مع العلم ان الفصل الاول والثاني للهيئة القضائية والشرطة والتعليم العالي قد كانت تدفع من المركز ، ولكنها في هذا العام ستدفع من المبلغ المحول للولايات ، علما بان جملة الفصل الاول للهيئة القضائية والشرطة والتعليم العالي يبلغ «55» مليارا و«500» مليون دينار.كل ذلك يعني ان مبلغ «499» مليار دينار الذي اعتمد كتقديرات لتحويلات المركز للولايات قد تقلص الى «90» مليارا فقط كتحويلات جارية لكل الولايات الشمالية ، مع العلم ان من ضمن الولايات الشمالية هنالك مناطق مهمشة واسعة في دارفور وشرق السودان وكردفان وتحتاج إلى دعم يفوق ذلك كثيراً حتى يتيسر لها القيام بواجباتها تجاه التوسع في تعليم الاساس وخدمات الصحة الاولية بجانب المياه الصالحة للشرب ، وهذا قطعا ان كنا نريد تقديم حلول مقنعة وبرنامج عمل اجتماعي عميق الاثر لايقاف الحرب بالغرب والشرق الشئ الذي لا تحققه هذه الميزانية التي أقرت اخيراً.* كيف جاء نصيب التنمية؟ان جملة ما تم اعتماده لاجمالي التنمية القومية يبلغ «164» مليار دينار من جملة انفاق عام يبلغ «1451» مليار دينار اي ما يزيد قليلا عن 11% ، وتقول التفاصيل ان ما رصد لقطاعات الزراعة والري والثروة الحيوانية يبلغ «74» مليارا و «172» مليون دينار ومن ضمن هذا المبلغ تم رصد «59» مليار دينار لسد مروي وهذا يساوي «78%» من جملة ما رصد لقطاعات الزراعة والري والثروة الحيوانية ، والحال ان سد مروي وكما قلت في مقابلة معكم العام الماضي لا علاقة له بالري ولا بالزراعة لانه مشروع لانتاج الطاقة الكهربائية ، ومن المهم القول ان اقامة سد مروي رغم اهمية الانتاج الكهربائي فهو لا يشكل اسبقية تنموية في السودان ، وقد سبق لنا القول ان الاسبقية لتعلية خزان الروصيرص الذي تبلغ تكلفته ثلث تكلفة سد مروي ، كما ان تعلية خزان الروصيرص تفتح المجال لانشاء مشروعي الرهد وكنانة في مساحة 5.2 مليون فدان ، وكما هو معلوم فان مشروع الجزيرة الذي نفاخر به تبلغ مساحته 2،2 مليون فدان ان المشروع الناجم عن التعلية يفوق مساحة الجزيرة اضافة الى انه يزودنا بطاقة كهربائية اضافية باضافة 60% من الكهرباء المولدة حالياً بالروصيرص.وفي حين نجد ان ميزانية التنمية القومية لعام 2005م ترصد «59» مليار دينار نجد انها ترصد مبلغ يقل عن «5» مليارات دينار لجملة مشروعات الثروة الحيوانية التي تمثل «21%» من جملة الناتج المحلي الاجمالي بالسودان ، كما ان الميزانية ترصد مبلغ «5» مليارات و «370» مليون دينار لجملة مشروعات القطاع المروي بالزراعة والغابات و330 مليون دينار فقط لمشروعات القطاع المطري التقليدي وهي التي تستوعب 65% من اهل السودان ، ونشير الى ان جملة مشروعات وزارة الزراعة المروية والغابات قد رصد منها «4» مليارات دينار للبرنامج القومي لتوطين القمح وهذا المبلغ يساوي 76% من جملة ما رصد للزراعة المروية والغابات فأي منطق تتعامل وفقه وزارة المالية.ومن المفارقة القول ان ما رصد لتنمية الزراعة المطرية التقليدية وهو «330» مليون دينار ،ان ذات الميزانية قد رصدت مبلغ «500» مليون دينار للمدينة الرياضية بالخرطوم ، كما رصدت مبلغ «656» مليون دينار تكلفة كهرباء الفلل الرئاسية ، والحال ان القطاع المطري التصديري هو المستهدف للتنمية والتحديث لمرحلة ما بعد اتفاقية السلام .

ليست هناك تعليقات: