الثلاثاء، 15 يوليو 2008

لماذا تراجع إنتاج القطن من مليون وربع المليون بالة إلى «300» ألف بالة



خبراء الإقتصاد والزراعة: سياسات الدولة وراء التدهور
تخلت الدولة عن التمويل فزادت تكلفة الإنتاج بنسبة «20%»
العودة للتمويل ودعم المراكز البحثية يسهم في ترقية الإنتاج
تحقيق: بله علي عمر
(السودان دولة الاقطان الممتازة) هكذا قالها الصناعي الانجليزي العجوز وهو يتسقبل وفد مزارعي الجزيرة في مدخل مصانع لانكشير بانجلترا في ستينات القرن الماضي.. حدثني بالمقولة يوسف احمد يوسف النقابي المعروف.. كانت ملبوسات الطبقة البرجوازية في المجتمع الانجليزي والمجتمعات الاوربية كافة من اقطان لانكشير التي تعتمد على الاقطان السودانية دون غيرها.وبداخل البلاد كانت مبيوعات الاقطان تشكل «80%» من عائدات النقد الاجنبي.. كان القطن يقوم بدور الدولة في توفير العمل لمئات الآلاف خلال مراحل الاستزراع «1.2» مليون فدان في العام، بدءاً باعداد الارض بواسطة الهندسة الزراعية مروراً بالزراعة و(الشلخ) و(الطراد) ثم (اللقيط) انتهاء (بالكبس) والترحيل للمحطات ومنها للمحالج.. وعمالة الحلج ثم الترحيل للميناء وعمالة (الكلات) في الشحن والتفريغ.. وهناك المساهمات الاخرى من العائد للدولة الذي يعاد توزيعه نشراً للعلم والمعرفة والصحة في ربوع البلاد كافة وغيرها من خدمات اجتماعية.. هكذا كان الحال.. انتاج وصل الى اكثر من «1.3» مليون بالة في العام 1971، ليتدنى الانتاج الى «300» ألف بالة في 1991م، ثم الى «258» ألف بالة في 2004.. لم يقف الامر عند ذلك بل تراجعت سمعة الاقطان السودانية في الاسواق العالمية كافة.. «الصحافة» تحاول تلمس الاجابة حول «لماذا هذا التراجع الضخم في الكميات والجودة؟ وهل من سبل للعودة؟».مقومات زراعة القطن ولغة الأرقامتتوفر مقومات زراعة القطن بالبلاد نسبة لتعدد مصادر المياه والمساحات القابلة لزراعة القطن تعتبر شاسعة وتؤهل السودان لاحتلال مركز متقدم في الانتاج على مستوى العالم. يساعد على ذلك الخبرات التراكمية «70 عاماً من الانتاج». كما ان معدلات النمو السكاني العالي في العديد من البلدان المنتجة قد جعل هذه الدولة تتجه لانتاج الغذاء لتوفير الامن الغذائي وذلك خصماً على المساحات المزروعة قطناً في وقت يمضي فيه النمو السكاني بالسودان ببطء يسهم في التوجه لزراعة الاقطان. ورغم ذلك فان الانتاج الوطني ظل يشكل تراجعاً ملحوظاً فبينما كانت المساحات المزروعة قطناً خلال حقبة الستينات والسبعينات حوالى «1.2» مليون فدان تنتج اكثر من «1.3» مليون بالة تراجعت هذه الارقام خلال عقدي التسعينات وبداية الالفية الثالثة لتبلغ جملة المساحات المزروعة قطناً في الموسم الزراعي 2001/2004م حوالى «299» فداناً انتجت «378» ألف بالة.عدم الإلتزام بالتمويل والتوجه السياسييعود السبب الرئيسي لتراجع الاقطان الى السياسات التي انتهجتها الدولة وفقاً لرؤية دكتور كامل ابراهيم حسن خبير الاقتصاد الزراعي، اذ تخلت الدولة عن القيام بتوفير التمويل اللازم وزادت الرقعة المزروعة بالمحاصيل الغذائية خصماً على مساحات الاقطان في توجه سياسي لم يستصحب المصلحة العليا للوطن التي كانت تتطلب الابقاء على الاقطان مما دفع مستوردي الاقطان السودانية الذين كانوا يعتمدون على المنتج السوداني التوجه لمصادر اخرى تفي باحتياجاتهم. كما ان بعض الدول اتجهت للانتاج بعد ان وجدت ان القرار في السودان بات سياسياً اكثر منه اقتصادي، وذلك يعني ان على الدولة مراجعة المصلحة العليا قبل القرار السياسي.اضافة الى ان اصابة الاقطان السودانية بالعسلة قد اضرَّ بسمعة الانتاج الوطني وقد جاء في تقرير اتحاد الغزالين العالمي ((ITMF ان السودان يحتل المرتبة الاولى بالنسبة للاقطان الملوثة بالعسلة في العينة «اكالا»، وجاءت العينة بركات في المرتبة الثانية للعينات الملوثة في وقت اتجهت فيه العديد من الدول المنافسة لتحسين موقفها مثل تشاد، ومالي، والكميرون.. ويعتبر تأثير العسلة ضاراً اذ تفقد الاقطان الملوثة «17%» من اجمالي قيمتها، كما ان الفاقد الناجم بالتلوث يصل «10%» من اجمالي الانتاج.سوء الإعدادومن الاسباب التي اسهمت في تدني عائدات الانتاج وفقاً لروية الوسيلة مختار جامعة الخرطوم سوء الاعداد الذي يبدأ بعمليات اللقيط والترحيل للمحالج والفرز الاولى حيث تنعكس دقة انفاذ هذه النشاطات في تجانس القطن في البالة واللوت الواحد، ومن العوامل السالبة لسوء الاعداد وجود البذرة السليمة والمكسورة في معظم انتاج بعض المؤسسات الانتاجية الكبرى مما ينعكس بصورة مباشرة على التسويق.كما ان تدني الانتاج والانتاجية من ابرز المشاكل التي تواجه الاقطان في البلاد، والملفت للنظر ان انتاجية الفدان التي وصلت حتى «5.26» قنطاراً في العام 70/1971م قد تراجعت الى «3.5» قناطير للفدان في العام 2004، في وقت تتصاعد فيه انتاجية البلدان الاخرى ويرى دكتور محمد مصطفى الحاج الخبير الزراعي ان تراجع انتاج الفدان يتطلب مراجعة السياسات التي تنتهجها الجهات البحثية في البحوث الزراعية ووقاية النباتات. كما ان الانتاج السودان يأتي في مؤخرة انتاجية البلدان المنتجة للزيوت في 1999/2000 وفقاً لتقارير اللجنة الاستشارية الدولية للقطن.الفوائد العالية للتمويلعمر عبد الرحيم احمد من قيادات المزارعين بمشروع الجزيرة قال إن تخلي الدولة عن نهجها السابق في الالتزام بتوفير التمويل قد اسهم كثيراً في تردي الانتاج خاصة في ظل تصاعد التكلفة التي اضيفت عليها اعباء ثقيلة متمثلة في الفوائد الضخمة التي تفرضها بعض المؤسسات المالية، التي وصلت في بعض الاحيان الى «20%» وفي وقت باتت فيه الدولة تتفرج على المزارع وهو يزرع لتحصد المؤسسات المالية.. مما دفع بالمزارع للتخلي تماماً عن الزراعة، وهنالك اسباب اخرى اسهمت في تراجع الانتاج منها ما يتعلق بالامراض.. اذ كثيراً ما تظهر بعض الامراض التي لم تكن متوقعة وتقضي على المحصول..عدم توفر الموارد للجهات البحثيةويعتبر عدم توفر الموارد المالية الكافية قد حدَّ كثيراً من البحوث ووقاية النباتات فبينما ظلت هذه المراكز البحثية في مقدمة اسباب الجودة والانتاجية العالية في السبعينات والثمانينات، تراجعت مساهمتها كثيراً بسبب عدم توفر الموارد المالية التي تمكنها من اداء دورها البحثي ويضيف (أ. م) احد الخبراء والباحثين ان المطلوب مراجعة استخدامات المبيدات في الاقطان خاصة بعد تصاعد الشكاوى حول اثر المبيدات.مشاكل الريومن الاسباب التي اسهمت في تدني المساحات والانتاج مشاكل الري ويمضي المهندس صديق التوم الى ان عدم توفر التمويل اللازم لقطاع الري قد اسهم بصورة مباشرة في خروج مساحات كبيرة في القطاع المروي.. ورغم الجهود التي اسهمت في ازالة الاطماء في مساحات كبيرة بالقنوات الرئيسية فإن العودة لضخ التمويل الكافي يسهم في عودة مساحات كبيرة للزراعة.كيفية الخروج من الأزمةولأن قطاع الاقطان من اكثر القطاعات استيعاباً للقوة العاملة فحري بالدولة مراجعة سلبيتها التي ترتديها تحت عباءة سياسة التحرير كما يقول بروفيسور فاروق كدودة الخبير الاقتصادي المعروف، الذي يمضي للقول ان المساهمة الاجتماعية للقطن دون غيرها تحتم على الدولة العودة لتمويل زراعة وحلج الاقطان خاصة ان التمويل الخاص قد اسهم في تجفيف هذا المورد.. ويمضي كدودة ان على الحكومة اصلاح خطأها القاتل عندما قامت بتقليص مساحات الاقطان لصالح القمح، فلا البلاد اكتفت غذائياً ولا عادت الدولة لتفعيل انتاج القمح - ويضيف دكتور كامل ابراهيم حسن ان تفعيل دور الاجهزة البحثية اساس عودة القطن لسابق مجده مع العمل على ادخال طرق اللقيط المحسَّن وانفاذ عمليات الفرز الآلي والعمل على ترحيل الأقطان لمراكز التجمع والعمل على استقبال العسلة، ذلك اضافة لازالة القيود كافة التي تواجه قطاع النسيج كما ان على الجهات التسويقية العمل على فتح اسواق عالمية جديدة مع الاستفادة من توجه بعض الدول ذات النمو السكاني العالي لانتاج الغذاء.الخروج من الازمة وفقاً لرؤية دكتور محمد التجاني - اقتصادي يتطلب المضي في برنامج الاصلاح المؤسسي الذي يجري بمشروع الجزيرة باعتباره اكبر المشروعات المنتجة للاقطان شريطة استصحاب رؤية المزارعين في كيفية الاصلاح ذلك لانهم المعنيون قبل غيرهم بالاصلاح، كما ان فك الارتباط بين السياسة الزراعية والتوجه السياسي امر اساسي لتحقيق الاهداف المنشودة بمعنى ان تترك التركيبة المحصولية للإدارة الزراعية.. كما ان الاستقرار في استزراع اصناف معينة يجعل مستهلكي هذه العينات اكثر إرتباطاً بالمنتج السوداني.. ويضيف دكتور محمد التجاني ان توجه الدولة أخيراً في إعادة الحياة لقطاع النسيج والزام عدد كبير من الوحدات الحكومية بشراء احتياجاتها من الملبوسات من قطاع النسيج الوطني امر يشجع ويسهم كثيراً في توجيه الانتاج من الاقطان للمصانع المحلية خاصة ان طاقة القطاع الصناعي بالبلاد تمكنها من استيعاب انتاج الاقطان، وبذلك تحصل الدولة على قيمة مضافة تتمثل في توظيف اعداد ضخمة من الايدي العاملة. كما يجب الاشارة الى جهد شركة السودان للاقطان في التصدي لمواجهة العسلة وحصولها على دعم اساسي من صندوق دعم السلع (CFC) لانفاذ استراتيجيتها في كيفية التعامل مع المصابة - وعلى الدولة تقديم الدعم اللازم لاستئصال والتخفيف من حدة التلوث حتى يمكن تحسين الموقف التسويقي للاقطان خاصة ان الاقطان السودانية فائقة الطول تشكل في بعض الاحيان «40%» من صادرات العالم في هذا الصنف.

ليست هناك تعليقات: