الأحد، 13 يوليو 2008

640 الف سيارة في شوارع الخرطوم



الخرطوم : بله علي عمر

كانت من ابرز ملامح الخرطوم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي حالة الزحام الذي يصل حد الاختناق في وسط العاصمة ، ولم تكن حالة الاختناق ناجمة عن ضيق شوارع العاصمة بالسيارات وانما سببها كثافة المشاة او الراجلين داخل السوق وبين المحلات التجارية، كان الوضع نهارا اقرب للاحتفالات بالمولد ، كنت تجد كتفك قد تلامس مع كتف اخر وبحالة خشنة في بعض الاحيان ولا تقف عند هذه الخشونة لانك تدرك انها ناجمة عن التزاحم ، بيد ان الصورة قد انقلبت تماما اذ اختفت كثافة المشاة او قل تراجعت امام الكثافة الثقيلة امام حركة سير العربات ، وباتت صورة العربات المتراصة في الطرقات كما الثعابين من ابرز ملامح المدينة .(الصحافة) في المساحة التالية تعمد الي التحقيق في ظاهرة الاختناقات المرورية ، درجتها ، اسبابها ، اثارها الاقتصادية ، والاجتماعية، وسبل تجاوزها . * لغة الأرقام لابد في مقدمة التحقيق من الاشارة الي انه وفقا لاحصائيات الجمارك فان عدد السيارات التي دخلت البلاد منذ العام 2001 قد تجاوزت (300000) ثلاثمائة الف سيارة ، بينما تشير احصائيات شرطة المرور الي ان متوسط عدد العربات المرخصة بالخرطوم حتي العام 2000 كان في حدود (200000) مائتي الف سيارة واذا اشرنا الي ان اكثر من (80%) من السيارات التي يتم استيرادها تتجه للعاصمة ، فان ذلك يعني ان هنالك اكثر من (440) الف سيارة تجوب شوارع العاصمة مضافة اليها اكثر من (200000) مائتي الف سيارة تدخل الخرطوم فجر كل يوم من الولايات المجاورة لولاية الخرطوم وتغادرها مساء وفقا لرصد شرطة المرور وبذلك يكون اجمالي السيارات التي تجوب شوارع العاصمة (640) الف عربة. * مآلات التدفق هذا العدد الهائل من السيارات فوق طاقة طرقات وجسور العاصمة ،وفقا لرؤية الدكتور هشام جعفر وهو مهندس مدني يعمل في مجال هندسة الطرق ، ويضيف الدكتور هشام انه وفي ظل النمو المتسارع للاقتصاد السوداني فان معدلات تدفق السيارات نحو البلاد ستتزايد ومالم تواكب هذا التدفق سبل وخطط في مجال هندسة الطرق فان مخاطر الاختناق المروري ستنعكس بصورة سالبة علي مجمل الحراك الاقتصادي .وذهب الي ذات الرؤية الدكتور محمد التجاني المتخصص في مجال اقتصاديات النقل ، ذهب الي القول ان هنالك سببين لتدفق هذا الكم الهائل من السيارات (300) الف سيارة منذ العام 2001، احدهما تنامي الحركة التجارية التي جاءت في اعقاب النمو الاقتصادي الناجم عن تدفق النفط ، والسبب الثاني هو عدم وجود موجهات عامة وضوابط تحكم الاستيراد ، فبينما كان علي الدولة ان توجه ظاهرة تدفق الآليات دعما للقطاعات المنتجة كالقطاع الزراعي والصناعي من خلال استقطاب الموردين وتشجيعهم لاستيراد الآليات الزراعية كالتراكتورات والزراعات والحاصدات فقد آثرت الدولة الفرجة وتركت الحبل علي الغارب لشركات استيراد العربات الصغيرة، بل ان القطاع المصرفي في كثير من الاحيان عمل علي توفير جزء من تمويل شحنات العربات في وقت بدأت فيه بعض الشركات الاجنبية تقديم تسهيلات كثيرة لعملائها الجدد القادمين لتلبية احتياجات مجتمعاتهم من هذه الاسواق. * الخروج من الأزمةمن جانبه ، يذهب المهندس ياسر شيخ الدين - مهندس مدني - الي ان ارتفاع معدلات التدفق كبيرة وتتطلب اتخاذ عدد من التدابير ، وذلك رغم الجهود المكثفة التي تقوم بها الولاية في مجالات الطرق الدائرية والكباري ، خاصة ان استراتيجية وزارة الشؤون الهندسية تحدثت قبل عام ونصف العام ، عن تشييد اكثر من (7) جسور علي النيلين الابيض والازرق والنيل الرئيسي برز منهما في صمت مطبق جسرا المك نمر وجسر الدباسيين .ويذهب المهندس ياسر الي ان الامر يتطلب اتخاذ عدد من التدابير والتي يتقدمها دعم الدولة لمشروعات الولاية في مجال تشييد الجسور والكباري الطائرة والعمل علي نقل المؤسسات الخدمية من مركز المدينة للاطراف ، وفي هذا التوجه لابد من الاشارة لتجربة الميناء البري والخروج بالشاحنات لاطراف العاصمة مما خفف من العبء علي طرق وسط العاصمة ، وقد ساهمت مشروعات الطرق الدائرية في نجاح التجربة .ويعتبر الدكتور هشام جعفر ان الوضع اضافة الي ما ذهب اليه المهندس ياسر من خروج بالمؤسسات الخدمية والاسواق لخارج وسط العاصمة - والذي كان تصميمه مواكبا لمتطلبات مرحلة تشييد بنياته التحتية -مع المحافظة عليه باعتباره ارثا حضاريا كما تفعل كبريات المدن العالمية مع العمل علي ادخال نظم النقل الجماعي مثل الانفاق والمترو وغيرها ، خاصة ان العاصمة بثقها السكاني باتت من كبريات المدن ، وقع في دولة تشهد نموا اقتصاديا سريع الايقاع .واختتم دكتور هشام جعفر ان ارتفاع معدل تدفق السيارات نحو العاصمة يجعل العاصمة ورغم جهود حكومتها في تشييد الطرق والجسور تبدو في حاجة لدعم مركزي كبير.غير ان الخروج من الازمة لدي الدكتور محمد التجاني يتمثل في مراجعة الضوابط التي تحكم الاستيراد وتجفف الطوابير المنتظرة في موانيء البلاد وذلك من خلال الاجابة علي السؤال ماذا ارادت الدولة من خلال الضوابط التي وضعتها في مجال الاستيراد ؟ ذلك ان الواقع يؤكد ان تدفق السيارات بصورته الراهنة يعطي اسوأ الصور عن النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد ، ذلك انه كان علي الدولة تشجيع وتوجيه الحراك الجاري للقطاعات الانتاجية بدلا من ترك الحبل علي الغارب للركشات المستوردة لتوجيه نصف هذه الموارد الضخمة للعربات الكورية فيما توجه النصف الاخر لقطع غيارها .وعندما قلت للدكتور بابكر محمد توم الرئيس المناوب لللجنة الاقتصادية ان الكثيرين من الخبراء يتهمون الدولة بالقصور وعدم وضع الموجهات العامة لمتطلبات حالة النمو الاقتصادي الراهنة ما دفع بشركات القطاع الخاص لاستغلال الوضع واغراق البلاد بالسيارات دون مراعاة للطاقة الاستيعابية للبلاد في مجال الطرق والجسور ، اجابني الرئيس المناوب للجنة الاقتصادبة بالبرلمان (اولا حالة النمو الاقتصادي الراهنة طالت كل القطاعات ، فعند القول بان مظاهر الازدهار الاقتصادي كانت وقفا علي استيراد السيارات ، فالقطاع الزراعي علي موعد مع النفرة الخضراء التي رصد لعام الاساس فيها اكثر من (318) مليار دينار ، وليس جنيه ، قطاع الصناعة هو الاخر بدأت بعض ملامح عودته للمساهمة في الناتج الاجمالي في مجال التعليم ، رصدت مبالغ ضخمة للتعليم التقني وغيره وغيره ، المشكلة ليست في عدم وضع ضوابط الاستيراد ، واذا كانت موجودة فسببها ان البلاد في مرحلة تحول مفصلي من الناحية الاقتصادية وقد يصاحب هذا التحول بعض حالات الاختناق هنا وهناك وستعمل اجهزة الدولة علي ازالة مسببات الاختناق بدليل ان ولاية الخرطوم تعمل جهدها لتلبية متطلبات هذا التحول.* الوالي: لدينا استراتيجية (الصحافة ) التقت والي الخرطوم في ختام الجولة التعريفية لوزراء حكومة الوحدة الوطنية علي مشروعات البني التحتية التي تقوم الولاية بانشائها . سألنا الوالي عن استراتيجية الولاية في مقابلة متطلبات تدفق السيارات علي البلاد و نحو العاصمة بصفة خاصة ، فقال ان استرتيجية الولاية تبنت المضي في مشروعات الطرق والجسور والكباري العلوية كما تتضمن الاستراتيجية التي تعمل وفقها الولاية الانتقال بالمؤسسات والمراكز الخدمية للاحياء السكنية ، وستساهم مشروعات الطرق والجسور الجديدة في توسعة مركز الخرطوم ، خاصة بعد انتهاء تشييد جسر المك نمر .ويمضي الدكتور المتعافي في كشف استراتيجية حكومته في مواجهة تدفقات السيارات ليقول انه وبعد ايلولة سلطات المرور للولاية ستكون الولاية اكثر قدرة علي مواجهة الموقف وضبط تدفق حركة السيارات للمركز ولو تطلب الامر جعل وسط المدينة وقفا علي سيارات النقل العام والتي تتكون من مواعين النقل الجماعي مثل البصات و المترو.وهكذا نخرج بنتيجة واحدة وهي ان الخرطوم والتي تستقبل اكثر من 50 الف سيارة في العام - والعدد قابل للزيادة - تحتاج لجهود ضخمة حتي لا تموت اختناقا ، وجهود الولاية تحتاج لدعم حقيقي من الحكومة المركزية ، كما ان علي الحكومة اعادة النظر في الضوابط الخاصة بالاستيراد وتشجيع استيراد المحاريث والتراكتورات والحاصدات ، ورغم حديث رئيس اللجنة الاقتصادية المناوب ، والذي اشار الي ان ايجابيات النمو الاقتصادي طالت كل اوجه الحياة ،ولكن نظرة للشارع السوداني فان زيادة واردات السيارات هي الابرز ، وبذلك صدقت رؤية البعض بان نمو الاقتصاد السوداني انعكس في قطاع صناعة وتصدير السيارات ............ هناك في كوريا !

ليست هناك تعليقات: