الثلاثاء، 15 يوليو 2008

معادلة غريبة : تزايد الفقر وارتفاع معدلات النمو!

تحقيق : بله علي عمر
معادلة غريبة ارتفاع معدلات النمو وتزايد نسبة الفقر في الوقت الذي تفاخر فيه الحكومة بارتفاع معدلات نمو الاقتصاد السوداني وتقول إنه تنامى بصورة جعلته يحتل المرتبة الخامسة بين اكثر الاقتصاديات نمواً في العالم، يحذر الخبراء والمراقبون من خطورة تزايد حالات الفقر ومعدلاته بالبلاد.. وما بين تنامي معدلات النمو الاقتصادي وزيادة الشرائح الاجتماعية التي تتساقط نحو هذه الفقر تبرز التناقضات التي تهدد تماسك النسيج الاجتماعي لأهل السودان مما يحتم ضرورة مواجهة قضية الفقر.. (الصحافة) تعيد طرح هذه القضية التي لن تمل من الطرق عليها حتى تضع جميع الجهات ذات الصلة بها أمام مسؤولياتها
اعلان الألفية:من المؤسف ان الكثير جداً من بلدان العالم الثالث لم تكن تهتم بمكافحة الفقر والعمل على اجتثاثه قبل ما يسمى بقمة الالفية الذي عقد بمدينة نيويورك صيف عام 2000 والذي اقر اعلان الالفية الذي تتضمن اهدافاً تنموية محددة رقمياً وزمنياً للقضاء على الفقر بحلول العام 2015 لتضطر هذه الدول لوضع استراتيجياتها للحد من الفقر كشرط اساسي لمعالجة مشكلات الديون وانسياب العون الخارجي.الفقر في السودان:أدى الافتقار للبيانات والارقام الحديثة الى عدم وجود تقدير دقيق عن مستوى الفقر بالسودان ووفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية فان نسبة الفقر في السودان ربما بلغت 80% وهي نسبة تفوق الوضع في الدول المحيطة بالسودان وفي نظر المركز لمؤشرات الفقر نجد ان نسبة القبول في التعليم الاساسي بالسودان تبلغ 2.75% بينما نجد ان النسبة في الدول النامية تبلغ 7.85% لترتفع في الدول العربية الى 4.86، وبينما تبلغ نسبة الامية في السودان 1.50% من مجموع السكان وهو وضع اكثر سوءاً من معدلاتها في الدول الاقل نمواً التي لا تتجاوز نسبة الامية فيها 50% تجد ان نسبتها في الدول العربية 3.40% وفي الدول النامية 3.28%.أما في الجانب الصحي نجد ان عدد حالات الوفاة وسط الاطفال السودانيين عند الولادة تصل الى 68 حالة في الألف وهي نسبة تزيد عن معدل وفيات الاطفال عند الولادة بالدول النامية إذ يبلغ عدد حالات الوفاة فيها 64 حالة في الألف كما ترتفع نسبة وفيات الاطفال والامهات في السودان مقارنة بالدول الاقل نمواً وبالنسبة لمياه الشرب فان نسبة توفيرها بالسودان لا تتجاوز 60% بينما ترتفع في الدول الاقل نمواً الى 64% وفي الدول النامية وصلت الى 72% وفي الدول العربية بلغت نسبة المياه الصالحة للشرب 83%.تراجع في الاهتمام بالخدمات:وفي قراءة لموقف الدولة تجاه الخدمات الاجتماعية نجد انها انفقت على الصحة في عام 2001 ما يشكل 2% من اجمالي الانفاق العام أي ما يساوي 25.0% من الناتج الاجمالي وتراجعت هذه النسبة في 2002م إلى 5.1% من جملة الانفاق العاموهو ما يعادل 21.0% من الناتج الاجمالي ليتواصل التراجع في عام 2003 إذ شكلت الاموال الموجهة للصحة 4.1% من جملة الانفاق العام وهي تعادل 24.0% من الناتج الاجمالي.وحال التعليم ليس افضل من الصحة بكثير فبينما صرفت الدولة على التعليم 1.4% من جملة اتفاقها وهو ما يعادل 51.0% من جملة الناتج الاجمالي في عام 2001 ارتفعت هذه النسبة إلى 6.4% في 2002م لتتراجع مرة اخرى الى 4.4% في 2003.أما المياه فقد خصصت لها في 2001 ما نسبته 38.0% من اجمالي الانفاق وهو يعادل 05.0% من الناتج الاجمالي وتراجعت هذه النسبة في 2002 إلى 21.0% من الانفاق العام وتشكل 02.%0 من الناتج الاجمالي.وبمقارنة هذه الاوضاع بدول افريقيا جنوبي الصحراء نجد ان هذه الدول توجه نسبة تتراوح بين 5-7% من انفاقها العام لقطاعات الخدمات الاجتماعية التي تشمل الصحة والتعليم بعد ان تجاوزت هذه البلدان مشكلة المياه.الفقر والإفقار:حملنا هذه المؤشرات التي استخلصناها من تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية وطرحناها على عدد من المختصين للتعليق عليها..دكتور حسن جعفر من وزارة المالية يرى ان تنامي معدلات الفقر ناجم عن حزمة من الاسباب في مقدمتها العوامل الطبيعية المتمثلة في الجفاف والتصحر وفشل مواسم الامطار اضافة لاسباب اخرى لخصها في ضعف الخدمات الاجتماعية وضعف مقومات الانتاج اضافة لضعف الاطر المؤسسية والقانونية والانحياز للحضر في كافة استراتيجيات التنمية وذلك ما ذهب إليه ايضاً دكتور احمد الطيب شمو الاستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم الذي يضيف بأن تجاهل الدولة للقطاع الزراعي (بشقيه النباتي والحيواني) والذي يستوعب (70- 80%) من القوى العاملة اسهم في تدهور القطاع كما ان الدولة وبدلاً من بحث سبل العلاج لهذا القطاع نجد انها قد اولت عنايتها للبديل الجديد المتمثل في النفط الذي أتت تعول عليه في موازنتها العامة.غير ان بروفيسور فاروق كدودة الخبير الاقتصادي والقيادي البارز بالحزب الشيوعي يرى ان نسبة الفقر باتت اعلى من تلك التي تحددها المراكز البحثية الحكومية أما اسباب استشرائه في الشرائح الاجتماعية يقول كدودة إنه نتيجة حتمية للسياسات الكلية التي تنتهجها الدولة واصفاً تلك لاسياسات بأنها ظلت تكرس للافقار من خلال الرسوم والجبايات على القطاعات الانتاجية حتى توقفت هذه القطاعات تماماً عن الانتاج ويواصل كدودة قائلاً وعندما شعرت الحكومة بتنامي الفقر لم تقم بانتهاج سياسات اقتصادية تكبح جماحه وانما كانت توجه الموارد نحو اولويات لا علاقة لها بالانتاج والانتاجية واجتثاث الفقر.هذه الوصفات:يذهب دكتور حسن جعفر الى ضرورة توفير الموارد الحقيقية للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي مع وضع برنامج اقتصادي متوسط المدى والعمل على تنمية الناتج الاجمالي بنسبة لا تقل عن 7% مع زيادة في جمالي الاستثمار بنسبة 24% وتحقيق معدل تضخم لا يزيد عن 5% واصلاح النظام المصرفي واعادة التعامل مع جهات التمويل الاجنبية ومراجعة الانفاق العام وزيادة حصة الخدمات الموجهة وذلك بزيه يمكن الدولة والمجتمع من مواجهة الفقر باعتبارها اطر عامة التقى فيها كل الخبراء الذين ساهموا في تشخيص العلة وتقديم الوصفة الناجعة لها.ويضيف دكتور احمد الطيب شمو الاستاذ بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم انه ما لم تهتم الدولة بالقطاع الزراعي والقطاع المساعد له من الصناعات التمويلية فان مواجهة الفقر تكون غير ذات فاعلية مطالباً بمراجعة السياسات الكلية وقوانين الاستثمار ذلك ان المجتمع السوداني برأيه يحتاج للتراكتورات التي تباع بالاقساط بدلاً عن تقديم السيارات الكورية بالاقساط لأن العربة بتقديره زداة استهلاكية بينما يساهم التراكتور في نمو الزراعة. كما يرى ان الزام المستثمرين بتوظيف الايدي العاملة الوطنية ضرورة تستوعب مراجعة القوانين وان الاستثمار الراهن استثمار خدمي المطلوب ان يتم توجيهه ليصير استثماراً تنموياً يخرج الى انسان الريف.من جانبه فإن بروفيسور فاروق كدودة يرى ان مواجهة الفقر تتطلب قيام مؤتمر عام يتداعى له كافة المعنيين بالاقتصاد والقضية الاجتماعية على ان تأتي توصيات هذا المؤتمر ملزمة للجهاز التنفيذي يعمل على انفاذها بدلاً عن تنفيذ الرؤى والاستراتيجيات احادية الجانب ذات الاولويات التي لا علاقة لها باجتثاث الفقر أو تنمية القطاعات الانتاجية بينما يشير دكتور عبد الرحيم أحمد بلال الناشط في مؤسسات المجتمع المدني والمهتم بالقضية الاجتماعية الى ان الطريقة المثلى لمكافحة ومواجهة الفقر بكافة انواعه المعرفي والمادي يتطلب توفير الخدمات الاساسية من تعليم وصحة ومياه شرب نقية اضافة الي القطاعات الانتاجية وعلى رأسها القطاع الزراعي والحيواني ودعم المراكز البحثية لمضاعفة الانتاج والانتاجية وتفعيل دور المجتمع المدني وانتهاج الشفافية في قضية الفقر من خلال عمل المسوحات وتوفير البيانات حتى تقف الدولة والمجتمع على واقعية الفقر قبل مواجهته.

ليست هناك تعليقات: