الأربعاء، 16 يوليو 2008

الفاو : السودان مهدد بفجوة غذائية واسعة

الخبراء :السياسات الكلية وتجاهل القطاع الزراعي يعمقان ازمة انتاج الغذاء

تحقيق : بله علي عمر
صورة قاتمة السواد تلك التي رسمها تقرير منظمة الزراعة والاغذية التابعة للامم المتحدة عن انتاج الحبوب الغذائية بالسودان للسنوات الثلاث 2007- 2010 ففي الوقت الذي شهدت فيه اسعار القمح في السوق العالمية زيادة مضطردة قفزت بالطن من القمح الامريكي من (156) دولارا في العام 2004 الي (198) دولارا في ابريل من عام 2007 وبعد شهر واحد قفزت الاسعار لهذه العينة ذات الجودة المتواضعة الي (238) دولارا في مايو من العام الماضي لتصل اسعاره في نهايات العام الي حوالي (498) دولارا وفي الوقت الذي يشهد فيه المخزون الاستراتيجي الامريكي أدنى مستوى له منذ 60 عاما ورد اسم السودان ضمن (37) دولة ستشهد ازمات في مجال الغذاء.
تقرير المنظمة الاممية الذي جاء بعنوان (افاق المحاصيل والوضع الغذائي ) ذهب الي ان سبب تراجع الحبوب الغذائية في السوق العالمي يعود للتوجه العالمي الراهن نحو الوقود الحيوي وعلى نحوٍ يقترن بانخفاض مستويات المخزون وعدم كفاية الزيادات في الإنتاج، لا سيما من القمح لدى البلدان المصدِّرة.
)الصحافة ) ايمانا منها بضرورة التحوط للازمة المرتقبة تعمد في المساحة التالية لتسليط الضوء علي قضية الغذاء وانتاج الحبوب بالبلاد في محاولة للاجابة علي التساوؤل الذي يتبادر للزهن وهو (هل الموارد المتاحة بالبلاد تمكنها الايفاء بتوفير الغذاء ؟
بالرغم من ان البلاد تتمتع بمساحات زراعية واسعة تتجاوز( 200) مليون فدان بينها اكثر من (17) مليون فدان توفر لها اسباب الري المروي الدائم اضافة لتوفر الموارد المائية التي تقدر بحوالي (31) مليار متر مكعب في العام تشكلها عائدات مياه الانهار والامطار وبالرغم من ان نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي تبلغ (42%) مقارنة بالقطاع الصناعي (27%) وقطاع الخدمات (31%) الا ان انتاج البلاد من الحبوب الغذائية متواضع لا يفي بتوفير الغذاء لتشهد البلاد تراجعا مخلا في انتاج الحبوب خاصة في السنوات الاخيرة اذ تراجع انتاج القمح في ا2004 الي (363) الف طن بينما بلغ استهلاك البلاد (2) مليون طن علما ان امكانيات البلاد مكنتها من انتاج (929) الف طن في العام 1992 وبالنسبة للذرة فقد تراجع الانتاج بسبب عدم استتباب الامن بولايات دارفور والتي تراجعت ها المساحات التي تزرع بالحبوب الغذائية من (2,7) مليون فدان عام 2000 بلغ انتاجها (450) الف طن الي (36) الف فدان في 2006 انتجت (150) الف طن من الحبوب وفقا لتقرير الاحصاء الزراعي . ما جعل البلاد تلجا للسوق العالمي واستيراد ة ما يقارب المليوني طن من القمح والدقيق من السوق العالمي سنويا كما ان تغير النمط الغذائي بالبلاد في التوجه نحو القمح خاصة في المجتمعات الحضرية التي تتجاوز نسبة سكانها وسكان المخيمات حولها اكثر من (45%) من سكان البلاد البالغ عددهم (37) مليون نسمة وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للاحصاء
يقول الدكتور صديق الحاج محمود – اقتصاد زراعي - ان التوسع في زراعة وانتاج القمح بالبلاد يعود لصدر سبعينات القرن الماضي , اذ ادخلت زراعة القمح في الدورة الزراعية بمشروع الجزيرة في الموسم الزراعي (1970-1971) في مساحة بلغت (155) الف فدان , وجاء ادخال القمح في الدورة الزراعية بالجزيرة لسد الفجوة بعد بروز ظاهرة تغير النمط الاستهلاكي من الذرة للقمح خاصة بعد ارتفاع كميات القمح المستوردة التي فاقت (200) الف طن في عام 1970, وقد ادي دخول زراعة القمح بمشروع الجزيرة الي مضاعفة الانتاج الوطني والذي بلغ في ذات العام (162) الف طن ليساهم ارتفاع الانتاج في تراجع واردات البلاد من الدقيق والقمح الي النصف في العام التالي وشهد النصف الثاني لعقد السبعينات زيادة مضطردة في المساحات المزروعة قمحا اذ تراوحت المساحات بين (425-690) الف فدان في الفترة(1974-1976) كما صاحب الزيادة في المساحات ارتفاع ملحوظ في الانتاجية وصلت بالبلاد الي (312) الف طن في العام 1978 وارتفعت انتاجية الفدان وفي صدر التسعينات ولتحقيق شعار ناكل مما نزرع الذي رفعته النقاذ في بواكير سنواتها تم استزراع اكثر من مليون فدان بالقمح في موسم (1990-1991 ) وفي عام 1992 وصل سقف انتاج القمح الي (929) الف طن متري غير ان التدهور الذي طال القطاع الزراعي امتد لانتاج القمح اذ تراجع الانتاج حتي بلغ (172) الف طن عام موسم 1998-199 .
تراجع زراعة وانتاج القمح في السنوات الاخيرة جعل البلاد تعمد الي فتح ابواب الاستيراد لسد الجوة وبلغ اجمالي المستورد من القمح في العام 2005 ما جملته (1,507,000) طن متري من القمح بكلفة اجمالية بلغت (384) مليون دور وفقا لاحصائيات الجمارك السوداني وبلغت الفجوة في 2006 (1,399,000) طن متري , واذا كانت البلاد بما لديها من موارد جعلت منظمة الزراعة والاغذية العالمية ترشحها كاحدي اربع دول مؤهلة لتوفير الغذاء لدول العالم وتتمثل هذه الموارد في المياه والاراضي الزراعية الخصبة ومراكز بحثية تعتبر الاقدم في المنطقتين العربية والافريقية ورغم ذلك تتصدر البلاد قائمة الدول المرشحة لمواجهة ازمة غذائية فاين العلة ؟ طرحت التساؤل علي عدد من الخبراء والاكاديميين والذين اتفقوا علي جملة هذه الاسباب , يقول الدكتور سامي علي محمد حامد استاذ المحاصيل الحقلية بكلية الدراسات الزراعية بجامعة السودان ان غياب السياسات الزراعية الواضحة خاصة تجاه التمويل والتسويق وضعف الانتاجية بالرغم من استنباط اصناف جيدة من القمح المداري وبرغم وجود الدراية والمعرفة العلمية المتمثلة في هيئة البحوث الزراعية التي انشات في العام 1902 كل ذلك يؤدي الي تواضع عائد الانتاج الزراعي والحبوب الغذائية خاصة في ظل غياب الاحصائيات الدقيقة في وقت تتحدث فيه الحكومة عن استراتيجية بعيدة المدي , فيما ذهب امية قسم السيد محمد احمد المحاضر بقسم الارشاد الزراعي بالكلية الي ان تواضع الانتاج في مجال الحبوب الغذائية يعود لجملة من الاسباب منها الادارية والتنظيمية ومنها ما يتعلق بالسياسات الزراعية فاضافة الي ان الحكومة لا تستصحب نهضة القطاع الزراعي في السياسات الكلية برغم ان القطاع هو صاحب النسبة الاعلي في الناتج القومي الاجمالي وبرغم محدودية الموارد الموجهة للقطاع فهناك عدم توفيق في تخصيص هذه الموارد لينعكس ذلك سلبا علي خدمات البحوث والاشار الذين فشلا في اداء دورهما البحثي , ومضي امية للقول ان غياب الرؤية القطرية الواضحة تجاه تمويل صغار المزارعين والافتقار لسبل ومناهج التسويق والافتقار لصوامع ومواعين التخزين من المشاكل المزمنة التي اقعدت بالقطاعاضافة الي عدم الادراك باهمية الارشاد الزراعي وضعف الرابطة بين الارشاد والبحوث خاصة ان وجود مثل هذه الروابط تساهم في انتاج تقانات زراعية ملائمة ,
ويذهب الدكتور محمد التجاني الي ان تراجع انتاج الحبوب بالبلاد جاء نتاجا طبيعيا للسياسات الكلية التي انتهجتها الدولة خاصة في اعقاب التحرير الاقتصادي الذي جعل منها مجرد رقيب علي الحراك المجتمعي وقد تجذر ذلك التوجه بعد تدفق النفط , وقد ادي غياب التوجه المنهجي لتعميق مشكلة القطاع الزراعي كما ان ارتفاع تكاليف الانتاج بسبب الجبايات والرسوم زج باعداد كبيرة من المنتجين في السجون وبرزت مشاكل المعسرين ويمضي الدكتور محمد الي القول : ( النفرة الخضراء التي يتحدث عنها اعلام الحكومة ولدت ميتة وغدت مجرد شعارا سياسيا اجوفا وفي احيان اخري باتت موضع سخرية بسبب الاتهامات المتبادلة بين المالية والولايات ووزارة الزراعة فبينما تذهب الوزارة الي اتهام الاخيرة بتبديد موارد النفرة تؤكد الولايات انها لم تستلم شيئا من هذه الموارد ) سامر سعد محمد مساعد تدريس الاقتصاد الزراعي خلص الي ان ازمة انتاج الحبوب الغذائية بالسودان متعددة الاسباب منها الطبيعية المتمثلة في تذبذب مناسيب الامطار ومنها المتعلقة بالجانب الانساني فالمزارع جزء من الازمة ذلك انه لا يتقبل الخدمة الارشادية ولا يستوعبها كما ان توصيل الخدمات الارشادية في حد ذاته محدود رغم وجود قسم خاص به بالوزارة وهنالك اسباب متعلقة بالسياسات الزراعية فالتمويل والتسويق ازمات حقيقية تسد الطريق امام اي نهضة زراعية خاصة ان الدولة تقف مكتوفة الايدي في حال الوفرة مما يؤدي لتدني الاسعار بصورة تلحق اضرارا بليغة بالمزارع تدفعه لتجنب الزراعة .
الخبير المصري الدكتور يسري محمد هاشم الاستاذ بكلية الزراعة بجامعة القاهرة والذي يزور البلاد هذه الايام لم يخفي اسفه لورود السودان ضمن قائمة تضم (37) دولة تعاني ملامح ازمات في انتاج الغذاء خلال الثلاث سنوات المقبله وقال ان السودان ورغم مساحاته الخصبة وموارده المائية الضخمة يفقتد للتخطيط الزراعي مستدلا بالنقص الحاد في المدخلات والتي تعتبر اللبنة الاولي للانتاج الزراعي منتقدا السياسات الكلية التي وجدت في البترول البديل للانتاج الزراعي مما يؤكد عمق الازمة خاصة ان البترول ثروة ناضبة بينما الزراعة هي الثروة الدائمة .
نخلص من هذا التحقيق الي ان مواجهة الازمات المرتقبة في مجال انتاج الغذاء تتطلب اعادة هيكلة الاقتصاد ومنح القطاع الاولوية القصوي وتحفيز القطاع الخاص علي الاستثمار في الانتاج الزراعي والصناعات التحويلية وتوفير الموارد المادية الكافية للمراكز البحثية والارشادية وتمكين جهاز المخزون الاستراتيجي من التدخل لحماية المنتج حالة حدوث تراجع للاسعار اضافة لبحث السبل العلمية لضمان التسويق للمحاصيل مع استصحاب احتياجات السوق العالمي ودعم الزراعة العضوية خاصة في سنوات التحول الاولي

ليست هناك تعليقات: