الثلاثاء، 15 يوليو 2008

التأمين الصحي صراع من أجل الموارد أم لأجل الإرتقاء بالخدمة؟


مدير عام الهيئة العامة: عدم إشراف الهيئة العامة على أموال المشتركين أدى لتغييب كيفية التدوير
تحقيق بله علي عمر
أثارت التعديلات التي ألحقها المجلس الوطني بقانون التأمين الصحي ردود أفعال واسعة، فبينما رآها البعض تكريساً لترقية الخدمات الطبية للشرائح المؤمَّن عليها، حذر آخرون من مخاطرها التي تهدد بإنهيار المشروع. «الصحافة» إيماناً منها بأهمية التأمين الصحي في وقت غدت فيه الخدمات الطبية تستنفد طاقة الأسر سعت لاستجلاء القضية من مظانها. فإلى مضابط تحقيقنا الصحفي حول التأمين الصحي وأكثر السبل لتفعيله لتحقيق غاياته في النهوض بالخدمات الطبية: نظم التأمين في الدول المشابهة بالوقوف على تجربة الدول ذات الحكم الفدرالي المشابهة لحالة السودان نجد ان النمسا وهي دولة فدرالية واول دولة اقامت نظام التأمين الاجتماعي الثنائي في العام 1885 اعتمدت على النظام الاتحادي. اذ تشرف وزارة الضمان الاجتماعي على التنظيم مع تنفيذ ولائي وذات النهج تعمل به بلجيكا وكندا، بينما تقوم وزارة الصحة الاتحادية بألمانيا بالاشراف على التأمين الصحي الذي تقدم من خلاله الخدمة الطبية وفق نظام فيدرالي يدير مال المرضى على الناطق القومي، وفي سويسرا فان الخدمة قومية. التأمين الصحي لماذا؟ ويقول الشريف عبود الشريف واضع مشروع المسودة الاولى للتأمين الصحي بالسودان والباحث الاجتماعي إن العالم آخذ بتجربة التأمين الصحي بعد ان غدت الدول عاجزة عن تقديم الخدمة الطبية المجانية. ولان السودان دولة نامية صارت تعاني من تردي الخدمات الطبية كان لابد من قيام مشروع للتأمين الصحي خاصة ان السودان من المجتمعات المرنة التي يمكن تطويع مظاهرها الاجتماعية بصورة يقبل معها بروز تأمين صحي فاعل خاصة بعد بروز تجرية العلاج الاقتصادي الذي يؤخذ عليه تقديم الخدمة لمن يستطيع دفع القيمة، اما الذين يفتقرون للمقدرة المالية فإنه يحرم من العلاج مما أفشل المشروع. قومية التأمين الصحي: وقال الشريف عبود إن مشروع التأمين الصحي بدأ بالاستعانة بأحد كبار خبراء التأمين الصحي «دكتور كاليمو» سويدي الجنسية حضر للبلاد عن طريق منظمة الصحة العالمية ووضع تقريراً فحواه ان امثل نظام للرعاية الصحية بالسودان هو وضع نظام للتأمين الصحي يشمل العاملين بالدولة والقطاع الخاص واقترح ان يكون المشروع تحت اشراف وزارة الصحة لان البنية التحتية الصحية ملك لها على ان تتولى المؤسسة العامة للتأمين الاجتماعي «آنذاك» وهي الصندوق القومي للتأمينات الاجتماعية مسؤولية تحصيل الاشتراكات وسدادها للهيئة العامة للتأمين الصحي. ولما كنت- والحديث للشريف عبود- المدير العام للتأمين الاجتماعي فقد اخبرته باستحالة ذلك ليأخذ برأيي نظراً لان العلاج ينبغي ان يوجه لكل فئات المجتمع في وقت توجه فيه التأمينات الاجتماعية خدماتها لشرائح محدودة بالدولة والقطاع الخاص. قانون الأعداد الكبيرة: ويرى الشريف عبود بضرورة ان يكون نظام التأمين الصحي قومياً بصفته من التشريعات الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم على قانون الاعداد الكبيرة التي تتمثل في توزيع مجابهة خطر المرض على جميع الشرائح الاجتماعية لتقل لاقصى حد حصة الفرد في مجابهة المرض وهذه القاعدة تتماثل مع قاعدة التكافل التي تتبناها الشريعة الاسلامية. كل ذلك يستوجب ان تكون للصندوق ادارات تنفيذية تتبع له ادارياً وفنياً ومالياً، وهذا لا يتعارض البتة مع احكام جمهورية السودان التي تتضمن النظام الفيدرالي وهذا توجه الدول العشر حول العالم التي تنتهج الفيدرالية- كما ان تشتيت هذا النظام على عدد الولايات يقهر نظرية الاعداد الكبيرة. أيلولة المشروع للولايات تعني الإغتيال: دكتور عوض الله عبد الباقي مصطفى المدير التنفيذي للتأمين الصحي بولاية سنار يرى ان ايلولة التأمين الصحي للولايات يعني وأد المشروع. وقال إن الذين تشملهم خدمات التأمين الصحي بولاية سنار «14.9%» من جملة المواطنين بالولاية البالغ عددهم «1.2» مليون مواطن. مضيفاً ان الولاية عجزت في العام 1999م عن تقديم اية خدمات للمواطنين بسبب توقف الدعم الاتحادي. وقال إن مركزية التأمين الصحي امر استراتيجي وحيوي للمشروع. ووصف دكتور علي محمد محمدين المدير التنفيذي للتأمين الصحي بالنيل الابيض القانون الجديد بأنه يلبي طموحات المشتركين ويسهل مهمة الادارة والقانون يعني قومية البطاقة واتحادية الادارة وولائية التطبيق وذلك دون هيمنة جهة على اخرى. مراهناً بأن تأتي المحصلة النهائية للقانون من خلال الارتقاء بالخدمات وضمان تقديمها. ويشير دكتور نصر الدين سيد احمد المختار المدير التنفيذي للتأمين الصحي بولاية النيل الازرق الى ان القانون الجديد الخاص بقومية المشروع وقومية البطاقة يجد التأييد لاسباب عدة اهمها ان القومية تتوافق مع نظرية التأمين الصحي المتمثلة في الاعداد الكبيرة التي من خلالها تقل الاخطاء. مضيفاً ان كل انظمة التأمين الصحي حول العالم قومية وعلى مستوى الدولة. كما ان قومية المشروع تحقق توظيفاً امثلاً للموارد من خلال توفير معينات العمل بأقل التكاليف وتحد من تغوّل بعض الجهات على اموال التأمين التي تعتبر اموالاً وقفية تصرف في مجال العمل التأميني فقط. قومية المشروع وتحقيق العدالة: ويضيف دكتور المختار ان قومية المشروع تعضِّد رسالة التأمين الصحي المتمثلة في تقديم الخدمات بشكل يضمن تحقيق العدالة بتوفير متطلبات الخدمة بالريف ومدها بالاجهزة والمعدات والمعينات الطبية كافة، خاصة اذا كانت تشرف على الهيئة القومية ادارة تتمتع بالحس القومي. مشيراً الى ان النيل الازرق طالبت منذ العام 1999م بقومية المشروع وتطبيق قومية البطاقة «البطاقة الجوكر». وقال إن اية محاولة لالغاء قومية المشروع تعني انهياره تماماً كما حدث في سنار عندما انهار التأمين الصحي لعجز الولاية عن تسديد الاشتراكات ولم يفعَّل التأمين الصحي بتلك الولاية إلا عندما تدخلت الهيئة العامة للتأمين الصحي عبر آلية التأهيل التي اسهمت في اعادة الدماء لشرايين التأمين الصحي بسنار، كما ان ما حدث في كسلا في اعقاب الفيضان وما صاحبه من دور فاعل للهيئة العامة والادارات التنفيذية بالولايات من تفاعل مع الحدث بصورة اسهمت في تدارك الموقف الصحي بتلك الولاية. ويضيف المدير التنفيذي للتأمين الصحي بالنيل الازرق إن قصور آلية التسكين المتبعة في النظام السابق ادت لتضرر المواطنين عندما يحتاجون للخدمة، اذ تتم معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية لا يستحقون الخدمة- ولتسليط الضوء على ضحايا التسكين يقول دكتور المختار هم اولئك المواطنون الذين يسكنون الخرطوم ولكنهم مكفولون بواسطة ابنائهم العاملين بالولايات فهؤلاء ظلوا يعانون طيلة الحقبة الماضية، وبتعديل القانون وقومية البطاقة سيجد هؤلاء ذات الخدمات التي يتمتع بها الآخرون، وهذا يعني تحقيق العدالة في الخدمة. شراء خدمة موجودة!! ويقول أحد كبار الاطباء إن مفهوم التأمين الصحي يقوم على تقديم خدمات علاجية شاملة ومتميزة ويتحقق ذلك بصورة مباشرة عبر مراكز صحية مملوكة للتأمين الصحي، ونجد ان ولاية الخرطوم ورغم امكاناتها المالية الضخمة تفتقر للاصول والمراكز الصحية التي تحقق التميز، وتقوم هيئة التأمين الصحي بالولاية بشراء الخدمة الموجودة اصلاً لدى وزارة الصحة بولاية الخرطوم. اننا نقول للاخوة بولاية الخرطوم إن قومية المشروع تصب اصلاً في مصلحة تطوير العمل التأميني والارتقاء به. وندلل على ذلك بأن الولايات التي تعاملت بالحس القومي واتسق اداؤها مع الهيئة صارت لديها انجازات ملموسة في امتلاك المراكز الصحية النموذجية التي اسعدت المواطن وعضدت تفاعله مع مشروع التأمين الصحي. تشوهات في القانون السابق دكتور سليمان عبد الرحمن المدير العام للهيئة العامة للتأمين الصحي قال: إن عدم اشراف الرئاسة بصورة مباشرة على الاشراف المالي ادى لتغييب كيفية التدوير المالي في المشروع. مضيفاً ان القانون السابق حمل تشوهات عديدة جعلت المشفقين على المشروع يسعون لإزالتها مستصحبين تجربة الدول حول العالم التي تجد فيها ادارة واحدة وجسماً مركزياً تساعده مكاتب تنفيذية بالولايات. وقال إنه وفقاً للقانون القديم فإن الهيئة العامة جهة تنفيذية ولكنها الآن تستقبل كل الحالات المحوَّلة من الولايات.. تعالجها الهيئة وليس ولاية الخرطوم وقد بلغت جملة هذه الحالات في العام الماضي «6927». وترى الهيئة العامة ضرورة توحيد النظام وقومية الصندوق ليغدو مثل التأمين الاجتماعي وكانت رؤية الهيئة وضع مشروع قانون كامل يستصحب التجربة الماضية وقد تمت مناقشة المشروع بتروٍ ووقف عند مشكلات الولايات كافة، وركز المشروع على ضرورة المساواة بين سكان اقاصي السودان وحاضرته، واعتمد المشروع البطاقة القومية التي تمكن المواطن من تلقي العلاج في اية منطقة عبر «نظام المقاصة». دعم المؤسسات العلاجية: ويقول دكتور سليمان المدير العام للهيئة العامة للتأمين الصحي إن المشروع عندما كان تابعاً للصحة الاتحادية أسهم في دعم المؤسسات العلاجية، ذلك لان من صميم اعماله الارتقاء بالمهن الصحية بالبلاد وسيظل ذلك ديدنه. الهيئة أعادت الحياة للمراكز الصحية بالريف: وحول استقلالية الصندوق قال دكتور سليمان إنها تمكن الصندوق من توفير الاجهزة والمعدات الطبية خاصة في الولايات بصورة تخلق نوعاً من التوازن النوعي مما يدفع بالمواطن لتلقي العلاج بمنطقته ولا يجد نفسه مضطراً للسفر للخرطوم، وقد تم حتى الآن تأسيس «33» مركزاً صحياً بالولايات كما تمت احالة «2971» مريضاً للعلاج بالخرطوم، وهؤلاء يشكلون «.23%» من جملة الذين تلقوا العلاج، وهذا يعني ان اكثر من «99.75%» من المرضى قد تلقوا العلاج بمناطقهم وهذه هي فلسفة المشروع التي اقنعت المواطن بالعودة للشفخانات والمراكز الصحية. والهيئة تدرس حالياً تلك الاسباب التي دفعت «.23%» للمجيء للخرطوم. وستعمل الهيئة وفق خطة طموحة ونهج علمي على توفير كل التخصصات ومعيناتها بالولايات. نظام المخيمات: دراسة توفير كل انواع الخدمات ماضية كما ان الهيئة العامة والحديث لمديرها دكتور سليمان- شرعت في اقامة المخيمات النوعية التي تشمل التخصصات كافة ذات الحاجة لها. وبدأت الهيئة ذلك التوجه بمخيم جوبا للعيون ومخيمات شمال كردفان ونهر النيل والنيل الازرق، وهي مخيمات تقدم خدمات الكشف والعلاج كافة بالمجان.. بدأنا بالعيون وهنالك مخيم لامراض الانف والاذن والحنجرة الذي سيقام قريباً بالفاشر والبقية تأتي. المطلوب تنزيل السلطات: دكتور عوض نمر صالح نائب المدير العام للتأمين الصحي بولاية الخرطوم قال إن الدولة في ظل توجهها الفيدرالي عملت على تنزيل السلطات، ويضيف «ان المشكلة تعود لقضية التسكين وقامت الولاية بإستخراج بطاقات مؤقتة لهؤلاء ولكن الولايات لم تقم بسداد مديونية علاجهم مضيفاً أن الخرطوم مستعدة لاستقبال المحالين لها شريطة إلتزام الولايات بتسديد مديونيتها وان يأتي التمويل بخطاب معتمد من الولاية للمركز. * وحول مركزية الموارد يقول دكتور نمر إن سكان الخرطوم بلغوا سبعة ملايين مواطن، وأن التغطية ادخلت «28.7%» من المواطنين في مظلة التأمين الصحي وعليه فإن هذه الكثافة لمتلقي العلاج تتطلب ترقية الخدمات فأصبح الصرف بشقيه العلاجي والتشخيصي كبيراً ويرى انه لا مشكلة في الموارد لاية ولاية ان قامت بتوسيع المظلة. ويضيف نائب مدير التأمين الصحي بالخرطوم بانهم لم يستصحبوا تجارب الدول الفيدرالية- وقال إن النجاح المنقطع النظير للتأمين الصحي بالخرطوم سببه الادارة التنفيذية التي حملت الأمانة وعملت على تطوير ونهضة هذا القطاع. وعن الاصول التابعة للتأمين الصحي بالولاية قال إن التجربة عمرها «7» سنوات والولاية تسعى لتوفير الخدمة المباشرة عبر وزارة الصحة الولائية اذ يضم التأمين الصحي بالولاية «72» مركزاً صحياً اضافة الى «19» صيدلية شعبية وهنالك «8» مراكز تحويلية وتشخيصية «ما يسمى بمراكز الانقاذ الصحي» اضافة لحوالي «16» مستشفى ولائياً و «16» اخرى من المستشفيات الاتحادية. وفي اجابته حول عدم ملكية هذه المؤسسات للتأمين الصحي بالولاية قال إن ذلك حديث صحيح ففلسفة التأمين الصحي مبنية على الارتقاء بالخدمة وبالتالي فلم تكن الولاية مهمومة بشراء الاصول التي لها من التكاليف الادارية وأعمال التسيير ما يزيد من الاعباء. الآن بدأت الهيئة تهتم بالخدمة المباشرة فتم افتتاح صيدلية مركزية بالخرطوم وعلى الطريق اثنتان ببحري وام درمان سيتم افتتاحهما خلال العام الحالي. اضافة لمركزين احدهما للعلاج الطبيعي والآخر مركز تشخيصي وتم اختيار هذين التخصصين لانهما ارهقا الهيئة. الهيئة الولائية لا تؤجر ويقول نائب مدير التأمين الصحي بالخرطوم إن المبالغ التي تدفعها الهيئة لوزارة الصحة الولائية ليست نظير ايجار وانما تكلفة للخدمة وهنالك عقودات مع الادارات المعنية بهذه الوحدات لضمان حفظ الاستحقاق وديمومة الخدمة للمشتركين. واتهم دكتور نمر القانون الجديد بأنه يعيق تقديم الخدمة، مطالباً بضرورة استصحاب رؤى المعنيين كافة من عمال وديوان زكاة للخروج بقانون يضمن تقديم الخدمة بصورة متميزة. لا لقومية البطاقة: دكتور محمد طيفور مدير ادارة التخطيط بالتأمين الصحي بولاية الخرطوم قال إن قومية البطاقة تفشل نظام التحويل الذي تعمل به ولاية الخرطوم الذي اثبت فاعلية كبرى- كما ان قومية البطاقة تؤدي لتمركز الخدمات بالخرطوم وتدفع بالمرضى نحو العاصمة وإن كانت الخدمات متوفرة بالولايات ويمضي للقول إنه كان اجدى لو تم تقوية الاتفاقيات بين الخرطوم والولايات. هذا التباين! ويقول دكتور منيف عبد الباقي المتخصص في اقتصاديات الصحة والاستاذ بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم إن البطاقة القومية من ناحية مطلوبة لتسهيل تقديم الخدمة للمواطن وتخفيض التكاليف الادارية في استرداد التكلفة وتقييم الحالة بعد العلاج. بيد انها تنطوي على مخاطر تتمثل في خلق عدم كفاءة في استخدام الموارد لعدم كفاءة نظام التحويل- واذا ترك الامر لحملة البطاقات دون ضوابط كافية او نظام كوابح وحوافز فعَّالة فسوف يعمل على مفاقمة التفاوت في تقديم الخدمات الصحية بين الحضر والريف من ناحية وبين المركز والولايات من ناحية أخرى. ذلك لان من شأن ادخال البطاقة وحرية حاملها في اختيار المركز الذي يستهدفه للعلاج ان يزيد الطلب على الخدمة والمرافق الصحية المتوفرة بالمركز وهذا يعني تهميش المرافق الصحية بالارياف والولايات لقلة طالبي الخدمة.

ليست هناك تعليقات: