الأحد، 13 يوليو 2008

العودة الي الريف عبر المدن الزراعية


المدن الزراعية العودة للريف وتفعيل دوره الاقتصادي مذكرة التفاهم الإطارية التي وقعتها الأمانة العامة لمشروع الاستخدام المنتج وتشغيل الخريجين واتحاد المهندسين الزراعيين التي تم التوقيع عليها في صمت هل يمكنها أن تغدو نقطة تحول مفصلي في تاريخ الزراعة والإنتاج الزراعي بالسودان كما يرى الكثيرون من الخبراء والمعنيين بالزراعة؟ بله علي عمرقبل الإجابة على هذا التساؤل لا بد من تسليط الضوء على الامكانات الضخمة التي تتمتع بها البلاد في المجال الزراعي، فبينما تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بالبلاد (200) مليون فدان نجد أن المستغل منها حالياً لا يتجاوز (40) مليون فدان بنسبة تبلغ (20%)، لا تتجاوز المساحة المزروعة بالري الدائم (4) ملايين فدان. وعلى الرغم من أن القطاع الزراعي يسهم في الناتج المحلي بحوالى (47%) حتى عام 2002م فإن الانفاق على هذا القطاع ضعيف لا يتجاوز (10%) من الانفاق الكلي و(.3%) من الناتج المحلي مما يعني أن الدولة لم تولِ هذا القطاع ما يستحق من اهتمام في وقت تتجاوز فيه نسبة العاملين في القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي أكثر من (70%) من سكان السودان.. كما أن الدولة لا تنتهج الاستراتيجيات والرؤى العلمية عند وضع السياسات المتعلقة بالقطاع الزراعي بدليل أن الدولة التي أنفقت أكثر من (160) ملياراً من الجنيهات على ما يسمى بمشروع توطين القمح خلال السنوات الأربع الماضية فإن المشروع لم يحدث أي زيادة في انتاج القمح ولا المساحات وفقاً لرؤية دكتور كامل ابراهيم حسن استاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الخرطوم الذي أضاف أن أسباب اخفاق الزراعة بالسودان تمتد لتشمل غياب الاستراتيجيات وضعف التركيبة الهيكلية وعدم استصحاب الرؤى العلمية والبحوث الزراعية والمتخصصين، كما أن ربط الزراعة بالموجهات السياسية «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع» أدى لتراجع القطاع وتدني اسهامه الاقتصادي والاجتماعي. فبينما بلغت صادرات السودان الزراعية أكثر من (800) مليون دولار في 1986م تراجعت إلى (360) مليون دولار بعد عام من دخول النفط في موازنة البلاد.التوجه الجديد للأمانة العامة لمشروع الاستخدام المنتج وتشغيل الخريجين مؤهل لتفعيل دور القطاع الزراعي لما تجده الأمانة من دعم سياسي ومالي باعتبارها الذراع الحكومي المعني بمواجهة العطالة وسط الخريجين ونلتمس هذا الدعم من خلال توفير ما جملته (28) مليون دولار وفرتها وزارة المالية والبنك الدولي، إضافة إلى مبلغ (600) مليون دينار رصدها بنك السودان للمشروعات الصغيرة.هبة محمود الأمين العام لمشروع الاستخدام المنتج وتشغيل الخريجين التي وقعت إنابة عن المشروع على المذكرة الإطارية، قالت إن المشروع وقع على المذكرة الإطارية مع اتحاد المهندسين الزراعيين في إطار الشراكات التي استنها المشروع لتحقيق أهدافه، مستفيداً من النفرة الخضراء، مضيفة أن أهم محاور هذه الشراكة تتمثل في قيام المدن الزراعية بهدف انتاج محاصيل نقدية تمكن المشاريع من الاستقلال المالي.المهندس علي أحمد دقاش أمين الاحصاء والبحوث بمشروع الاستخدام المنتج تحدث لـ «الصحافة» باسهاب عن مشروع المدن الزراعية قائلاً: إنه يهدف إلى استغلال الموارد المتاحة وتوجيهها للإنتاج وتوطين الخريجين بمختلف تخصصاتهم في الريف بغرض انشاء مواقع نمو جديدة تنهض بالمجتمعات المحلية وتسهم في معالجة الهجرة من الريف بالإستفادة من تجارب ماليزيا والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، خاصة أن السودان بات يعاني مخاطر هجر الريف وارتفاع معدلات العطالة بين المهاجرين للداخل إلى (44%).تقوم الفكرة على تنوع النشاطات وتكاملها لتشمل وحدة للإنتاج الزراعي في مساحة تتراوح بين (20-25) ألف فدان، ويتم تقسيم الأراضي الزراعية وفقاً لدورات انتاجية محددة حيث يزرع الخريج مساحة محددة بمحصول نقدي متفق عليه وفقاً لعلاقة انتاج مناسبة ليتم تسويق المحصول عن طريق شركات متخصصة مع استخدام أحدث التقانات. وهناك وحدة للإنتاج الحيواني والأسماك لترسيخ مفهوم الزراعة المختلطة، إضافة لوحدة الإنتاج الصناعي للإستفادة من القيمة المضافة الناتجة عن الصناعة التحويلية، ووحدة الخدمات اللازمة للحياة في الريف لتجعله بيئة انتاجية جاذبة وسياحية. وتشمل الوحدات الصحية والتعليمية والتجارية والسياحية وغيرها. ولما كانت فلسفة المدن الزراعية قائمة على التوطين بالقرب من المراكز الإنتاجية فيبقى قيام الوحدات السكنية للخريجين هدفاً استراتيجياً.وحول علاقات الإنتاج بالمدن الزراعية يقول المهندس الزراعي دقاش إنه يتم إعداد الدراسة لأي مشروع بواسطة بيوت خبرة متخصصة، وقد خاطبت الأمانة العامة لمشروع الاستخدام بيوت تمويل خارجية للحصول على منح لتمويل دراسات الجدوى والمحصول على خطوط ائتمان لتمويل البنيات التحتية. الدراسات تضمنت علاقات انتاج مبتكرة لإدارة المدن الزراعية تتضمن نموذجاً لتقديم خدمات الفلاحة وتحضير الأرض ومدخلات الإنتاج كما اهتمت الدراسة بنظام التسويق وربط الإنتاج بالطلب مع ضمان الجودة.هبة محمود الأمين العام لمشروع الإستخدام المنتج وتشغيل الخريجين أكدت أن أولى المدن الزراعية ستقام بولاية النيل الأبيض جنوبي ربك فيما تتواصل اجراءات المدن الزراعية بولايات جنوب كردفان وشمال دارفور وسنار ونهر النيل.بروفيسور فتحي خليفة رئيس اتحاد المهندسين الزراعيين أكد أن مشروع المدن الزراعية جاء في وقت بدأت فيه الدولة تنفيذ النفرة الخضراء، كما أن المدن الزراعية ستغدو عنصراً رئيساً لتحقيق مفهوم الأمن الغذائي، خاصة أن السودان يستهلك من القمح مليوني طن، يشكل المستورد منه أكثر من (1.6) مليون طن، مما يعني ضرورة الإهتمام بالمدن الزراعية وتحويلها لواقع يسهم في تأمين الغذاء والمساهمة في الناتج المحلي، كما أن المدن الزراعية يعني قيام مدن صناعية للصناعة التحويلية، وهذا يعني استيعاب أعداد أخرى غير الزراعيين للعمل في القطاعات الأخرى الصناعية والخدمية وغيرها.مشروع المدن الزراعية يعني في مجمل فلسفته خلق الظروف المواتية للعودة للريف بعد النهوض به. ما سمعته من الخبراء والمختصين يزرع فينا الأمل بغدٍ سعيد وأخضر.. المبادرة جاءت هذه المرة من مشروع الاستخدام المنتج الذي وضح أنه يتجاوز مشكلة شريحة الخريجين لقضية عامة.. هل يجد المشروع الدعم من قبل النافذين بالدولة؟ دعونا ننتظر تجربة المدينة الزراعية الأولى بالنيل الأبيض التي ستكون بداية الإنطلاقة.

ليست هناك تعليقات: