الأحد، 13 يوليو 2008

المزارعون يرفضون تسليم القمح


الخبراء يثمنون القرار والمزارعون يرفضون التسليم للمطاحن القمح بين المشروع السياسي والواقع الاقتصاديتحقيق : بله علي عمرظل القمح أحد أهم المحاصيل الزراعية التي تجد التأييد والدعم المباشر من الحكومة والتي ذهبت الى اقامة مشروع اسمته بمشروع توطين القمح رصدت له مئات الملايين من الدولارات في ميزانية الدولة للسنوات السبع الاخيرة، بهدف زيادة المساحات في ولايتي الشمالية ونهر النيل في وقت لم يبرز مؤشر زراعة القمح في العشرين عاما الاخيرة اي نمو في المساحات والانتاجية في توجه يذهب فيه بعض اختصاصي الاقتصاد الزراعي و المراقبين للحراك الاقتصادي الى وصفه بانه مشروع سياسي اهدرت فيه الاموال العامة بلا جدوى مستدلين بان انتاج البلاد من القمح تراجع بعد ضخ هذه الملايين من الدولارات بدلا من زيادته رغم ان استهلاك البلاد ماضٍ في التصاعد فبينما كان جملة استهلاك البلاد من القمح في بداية التسعينات حوالي (850) الف طن وصلت في 2005 الى (2) مليون طن.في الاسبوع الماضي اصدر وزير المالية والاقتصاد الوطني الزبير محمد الحسن القرار الوزاري رقم (92)الذي تم بموجبه اتخاذ حزمة اجراءات وتدابير لمعالجة المشاكل والمعوقات التي تعترض انتاج القمح في الموسم الشتوي القادم وفقا للتشاور مع وزارة الزراعة والغابات وادارة المشاريع الزراعية القومية وقد تم بموجب ذلك زيادة المساحة المزروعة قمحا من (725) الف فدان الى (775) الفا ، وخصصت الوزارة (3,500,000)جنيه للبحوث الزراعية والارشاد ونقل التقانة مع دعم مشروعات القمح بولايتي الشمالية ونهر النيل بالكوادر الزراعية المدربة في عمليات البحوث وفي الدعم التشغيلي ولاجل تقليل كلفة الانتاج فقد تقرر دعم السماد بملبغ (18,1) مليون جنيه بواقع (10) جنيه للجوال ودعم الجازولين في حدود(10,5) مليون جنيه بالولايات المنتجة مع توفير التقاوي بالبنك الزراعي وبالنسبة للتمويل فقد التزمت المالية بخفض كلفة التمويل التشغيلي الى (3%) بالنسبة للمزارع على ان تتحمل المالية (7%) من التكلفة المتبقية وبالنسبة لتكلفة التمويل للسلع الرأسمالية فعلى المزارع تحمل (5%) ووزارة المالية (5%) وبالنسبة للاسعار فقد تقرر ان يكون سعر السلم للقمح (70) جنيها للجوال زنة (90) كيلو . قرار وزير المالية اشار الى اهمية ترشيد الدعم وتحقيق الفاعلية ولخلق التنافس بين المزارعين اشار الى ضرورة تحقيق الانتاجية المقترحة من وزارة الزراعة لكل مزارع في كل مشروع مع ضرورة خلو المنتج من الشوائب على ان لا تتجاوز (3%) مع الالتزام بالبرنامج الزراعي في الزراعة بما لا يتجاوز نهاية شهر نوفمبر مع الالتزام باستخدام السماد والحزم التقنية الاخرى حسب توصية البحوث الزراعية وعدم الالتزام بدعم اي مزارع يزرع بعد العاشر من ديسمبر. واختتم القرار بالاشارة الى ان تكون مسئولية التمويل على المزارع مباشرة الذي تقع عليه مسئولية الوفاء بالضمانات والشروط المطلوبة مع توجيه البنك الزراعي بتمويل المدخلات حسب الاسعار السائدة عند الطلب على ان يتولى البنك الزراعي التمويل لكل مزارع استوفى الشروط المطلوبة .كانت تلك أبرز ملامح القرار الوزاري رقم (92) الصادر عن وزير المالية تجاه القمح والذي سنقف عنده للاجابة علي تساؤلين هما :- لماذا يجد القمح دون غيره من السلع الاخرى هذا الدعم الكثيف وهل وجد منتجو الذرة ذات اوجه الدعم ؟- السؤال الثاني هل عالج القرار كافة معيقات انتاج القمج ؟سألت عبدالحميد آدم مختار الامين العام المناوب لاتحاد مزارعي السودان كيف تقيمون قرارات وزارة المالية الخاصة بالقمح ؟ فاجابني : (القرارات التي اصدرها وزير المالية والاقتصاد الوطني حول انتاج وتسويق القمح موجودة في اطار برنامج النفرة الزراعية بيد ان الوزير عمل على وضعها موضع التنفيذ بسبب الارتفاع المضطرد لاسعار القمح في الاسواق العالمية خاصة ان السودان في اعقاب تغير النمط الاستهلاكي لاهل السودان والذين ارتفعت نسبة استهلاكهم للخبز اذ باتت البلاد تستهلك (2,144) مليون طن متري من القمح ولا يتجاوز الانتاج المحلي (800) الف طن وبذلك فان المنتج الوطني لا يغطي سوي (37%) من احتياج البلاد اي اننا نستورد (63%) من القمح من الخارج وهي نسبة عالية يتحتم علي الدولة خفضها لادني نسبة , وبالتالي فاننا نثمن قرارات الوزير الاخيرة الخاصة بالقمح ونرى انها خطوة في الاتجاه الصحيح ) الامين العام المناوب لاتحاد مزارعي السودان مضي مثمنا قرار وزير المالية واضاف : ( القرار تضمن جملة من التدابير التي تحفز المزارعين وتشجعهم مثل تخفيض اسعار الفائدة على التمويل ودعم السماد والوقود ودعم العمليات الاستثمارية وهي محفزات بسيطة للمزارعين الذين يحتاجون لمحفزات اكبر للاستمرار في العملية الانتاجية ) قلت لنائب الامين العام للمزارعين هل لدعم القمح دون سواه اثره السالب على منتجي المحاصيل الاخرى ؟ فقال ( ان دعم البحوث وبنيات الري والتقانة وتوفير التمويل المباشر والاهتمام بالبنيات الاساسية للقطاع الزراعي وتوجيه المؤسسات المالية وتوفير التمويل في المواقيت المناسبة للعمليات الزراعية ومعالجة مشاكل التسويق تعني ان القطاع الزراعي بات يجد الظروف المواتية له حتى ينهض ويعود للمساهمة في الحراك الاقتصادي الكلي وفي الناتج الاجمالي والعودة للمساهمة في زيادة الصادر .وطالب عبدالحميد بضرورة الوقوف عند تجربة التسويق في العام الماضي والتي كانت اضعف الحلقات وهي حلقة التسويق فرغم اعلان المالية اسعار السلم فان التسويق في العام الماضي قد شابته العديد من السلبيات عندما ترك الامر للمطاحن التي عجزت عن الايفاء بحقوق المزارعين في مواقيت مناسبة وكانت اخطاء العام الماضي الخاصة بالتسويق النقطة المشتركة لافادات المزارعين الذين ابدوا استياءهم من تأخر المطاحن فى سداد التزاماتها للمزارعين فى الوقت المحدد مطالبين المالية بتوفير تمويل حقيقي وعيني لسد اي تعثر محتمل فى سداد استحقاقاتهم كما حدث في المقاصة فى العام الماضي .ويري الخبير الزراعي عمر الزبير ان التدابير التي اتخذتها المالية ايجابية ولكن ولتحقيق الاهداف المطلوبة لمعالجة الانتاج والانتاجية فان المطلوب الوقوف علي الاسباب الحقيقية تعيق الانتاج والمتمثلة في ضعف التمويل وقلته عن الاحتياج الفعلي الأمر الذي أدي عزوف معظم المزارعين من تطبيق الحزم التقنية مما أدي إلي تدني معدلات الإنتاج وكما هو معلوم حالياً فان تمويل القمح يتم في صور عديدة منها:السلف و المرابحة من البنوك الحكومية ثم بعد ذلك يمول من البنوك الخاصة (محفظة البنوك) وبعض السلفيات الزراعية.عدم توافر العدد الكافي من الحاصدات وعدم إيجاد قطع الغيار والعمالة المدربة ثم عدم الالتزام بالمواقيت الزراعية الموصي عليها من قبل هيئة البحوث و التقانة الزراعية مشكلة الآفات الضارة وانتشار الحشائش ومشاكل التسويق المختلفة وضعف البنية التحتية بالبلاد مشكلة الجودة والمعايير المطلوبة حسب المواصفات والمقاييس.البروفيسور موسى محمد موسى وكيل وزارة الزراعة الاسبق واحد الخبراء الذين اولوا زراعة القمح ما تستحق من اهتمام يرى ان العمل والجهد الذي بذل منذ بداية التسعينات في ما يخص زراعة محصول القمح وتركيبة الحبوب على المستوى القومي لعدة أسباب وفي نمط مؤسسي لو تواصل على هذا المنوال لكان هناك نجاح اكبر بكثير مما تحقق حتى الآن خاصة وكانت المرحلة مسنودة بالبرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي ويشير بروفيسور موسى الى ان قرار الاكتفاء الذاتي من محصول القمح في السودان صدر عن الحكومة التي سبقت الإنقاذ في نهاية 1988م. ولفترة إمتدت عبر تسع سنوات كنت أدير اللجنة القومية للاكتفاء الذاتي للقمح كوكيل للزراعة التي رأسها البروفسير احمد علي قنيف وزير الزراعة آنذاك وتزامنت هذه الفترة مع تنشيط مستمر للجنة القومية للاكتفاء ولجنة المدخلات الزراعية والتمويل ولجنة متابعة مجريات الموسم على نطاق البلاد ولجنة الحصاد، وكانت الأنشطة سلسلة متكاملة وفق نهج مؤسسي متكامل والتحرك الفاعل لكل من له شأن بالزراعة من إدارات إنتاجية ومزارعين وإدارت مؤثرة كالري والمالية والصناعة والتجارة وغيرها مدعومة بالالتزام والمتابعة ولا أظن ان الذين تحملوا المسئولية بعدنا كانوا اقل حماسا إلا أن الالتزام السياسي في مرحلة التحرير كان بدرجة متدنية وكذلك التخطيط والبرمجة للمتطلبات الزراعية التي غلب عليها عدم الحصول في مواعيدها وبالأسعار التي تعطي هامشا ربحيا مجزيا للمنتج وهذا ما نشهده اليوم في مشروع كمشروع الجزيرة ومن المؤسف ان يتم ذلك في وقت توافرت فيه الموارد المالية وتوافر البترول وزادت الاستثمارات وأوضحت ارقام الإنتاج التدني الواضح لمجمل الإنتاج المحصولي في المشاريع وعدم قناعة المزارعين بعائدهم لاسباب متعددة ومتشابكة تتطلب المراجعة لدعم المنتج أسوة بغيرنا من الدول الزراعية المتقدمة- تأميناً للاستمرار. ويرى بروفيسور موسى ان الظروف مواتية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح خاصة ان هنالك جهدا علميا لعلماء السودان لزراعة القمح من حيث انتاجه في أقلمة أصنافه وملاءمتها وجودتها وشهد لهؤلاء العلماء والمزارعين المجدين قادة الثورة الخضراء أمثال نورمان بورلوف وخبراء المراكز الدوليين للقمح في المكسيك ومنظمة اكاردا التي كانت السند الأمين للقمح وكذلك توجه جهود مشروع قلوبال 2000 بالنجاحات الواضحة وذلك عن طريق نقل التقانة ونشرها بين المزارعين وكان يضرب المثل بالسودان في كثير من المحافل غير ان هنالك فجوات علمية تتعلق ببعض المحددات خاصة في التغذية المتوازنة للمحصول وتأمين الوضع للقمح في السلسلة الإنتاجية وقد حققت نفس البرامج من خلال التعاون المشترك بنجاحات مقدرة خاصة في جمهورية مصر العربية التي أدت إلى معدلات إنتاجية تضاهي الدول المتقدمة ورصد لذلك المال والحافز للعلماء والمرشدين ووظفوا القدرات العلمية والإعداد المؤهلة ليصلوا إلى كل مناطق الإنتاج ولكن الأمر عندنا كان على غير ذلك فالبحوث والدعم لها اليوم قطعا لا يتساوى مع الجهد المطلوب لمحصول كالقمح وفي بيئة تحدٍ شهد بها الجميع.ختاما يمكن القول إن هنالك اجماع على ان قرار المالية الخاص بدعم انتاج القمح يجد تأييدا واسعا و مباركة الجميع من خبراء ومزارعين مع ضرورة الوقوف عند مطلب المزارعين الخاص بان تقوم المالية بالشراء بصورة مباشرة حتي يتمكن المزارعين من الحصول علي مستحقاتهم و الايفاء بالتزاماتهم خاصة ان ترك امر الشراء للمطاحن قد اثبت فشله في الموسم الماضي لعجز المطاحن صرف حقوق المزارعين في مواقيت مناسبة .

ليست هناك تعليقات: