الأحد، 13 يوليو 2008

الغلاء يطحن الغبش الحلقة الثانية

افتقار البلاد لجهاز ضبط التكاليف والأسعار كشف ظهر المستهلكتحقيق:بلة علي عمر سياسة التحرير لا تعني تخلي الدولة عن مسؤوليتها نحو المواطنينتحقيق: بلة علي عمر اجتاحت البلاد خلال الاسابيع القليلة الماضية موجة من الغلاء، شملت كافة السلع الضرورية، بداية برغيف الخبز والسكر وزيت الطعام وبدرة حليب الاطفال، فبينما كان سعر جوال السكر «95» جنيها فقد ارتفع الى «110»، وبينما كان سعر «بكتة» الدقيق زنة «10» كيلوجرامات «12» جنيها فقد وصل سعرها الى «19» جنيهاً، وبلغ سعر «جركانة» الزيت زنة «36» رطلا «85» جنيها، لم تكن اسعاره تتجاوز الـ «55» جنيها، اما كيس لبن البدرة زنة «2.5» كيلو فقد وصل الى «50» جنيها، وذلك حتى وصول هذه السلع الي تاجر القطاعي، واذا كان «90%» من المواطنين يحصلون على احتياجاتهم من السلع من تجار القطاعي واصحاب «الكناتين» بالاحياء، فإنهم يحصول على رطل الزيت مقابل «3» جنيهات بزيادة جنيه بنسبة زيادة بلغت «33%». وبالنسبة للسكر فقد ارتفع سعر الرطل من جنيه الى «1,2» بنسبة زيادة بلغت «20%». واما بالنسبة للبن البدرة فقد ارتفع الرطل من «6» جنيهات الى «12» جنيها بنسبة زيادة بلغت «100%». والزيادة وحالة الغلاء الفاحش كانت قد طالت قطاع الانشاءات، فبينما كان سعر طن الاسمنت قبل موجة الغلاء في حدود «480» جنيها فقد بلغ سعره امس الاول «810» جنيهات، بنسبة زيادة تجاوزت «75%» بالمغالق، فيما ارتفع طن السيخ من «1850» الى «2100» جنيه. البروفيسور ابراهيم محمد احمد المستشار بوزارة الرعاية الاجتماعية وشؤون المرأة والطفل، استصحب المبررات التي ساقها وكيل المالية السابق التي تمثلت في زيادة اسعار القمح ومجمل المواد الغذائية، التي اكد من خلالها الوكيل لسابق براءة وزارة المالية من الارتفاع غير المبرر للاسعار، بيد أن بروفيسور ابراهيم عاد للقول إن لزيادة الاسعار لبعض السلع اسباب محلية تتمثل في أن الموسم الزراعي السابق شهد ضعفا في الانتاج لبعض المحاصيل كالحبوب الزيتية، كما ان السياسات المالية للدولة التي ادت لزيادة القيمة المضافة من «12%-15%» بنسبة مئوية بلغت «25%» وقعت على المستهلك واثقلت كاهله. ودحض المستشار بالرعاية الاجتماعية ادعاءات واضعي السياسات المالية التي ظلوا يؤكدون فيها عدم تأثير زيادة القيمة المضافة على اسعار السلع، بدليل آثارها الراهنة المتمثلة في زياداة الاسعار التي انعكست على المستهلكين والمنتجين ومقدمي الخدمات بسبب تباطؤ الطلب وتقليل دوران السلع، وبالتالي التأثير السالب على الارباح ومجمل الحراك الاقتصادي، وسيمتد الاثر الى تراجع الايرادات حتى تكيف المستهلكين مع هذه الزيادات. سألت بروفيسور ابراهيم: الدولة ملزمة بانفاذ استراتيجية دولية لكبح الفقر، فما هو اثر مثل هذه الزيادات على اجتثاث الفقر؟ فاجابني: «اذا اضطر المستهلك الى تقليل استهلاكه، فإن ذلك يعني أن الذين انعتقوا من الفقر ووصلوا الحد الادني من الرفاهية، ستتراجع نسبة رفاهيتهم، أما أولئك الذين على هامش الاستهلاك فإن ارتفاع الاسعار قد يخرجهم نهائيا من تناول الضروريات، مما يعني المزيد من الافقار». وحول الاتهام الذي يوجهه الخبراء للحكومة بتجاهل خلق جهاز يعني بضبط الاسعار ومراقبتها، يرى بروفيسور ابراهيم ان اقتصاد السوق لا يتطلب قيام الدولة بخلق مثل هذه الاذرع، وانما يترك الامر للسوق في ظل المنافسة الحرة، غير أن هذه المنافسة هذه الايام لا تتجاوز طيات كتب الاقتصاد، وبرزت قناعات بأن الاقتصاد الحر وحتى لا يتحول الى فوضى، يتطلب حكومة قوية تضع سياسات سعرية سليمة، وتضبط تفلت الجشعين والطارئين على السوق، كما انه يحتاج الى قطاع خاص مسؤول اجتماعيا، يضع ما يسمى بمدونات السوق ويضبط سلوك عضويته، ويستبعد الجشعين الذين لا يلتزمون باخلاقيات المهنة، كما يحتاج الاقتصاد الحر لرأي عام قوي ورادع ومنظمات مجتمع مدني وصحافة قادرة على كبح المتفلتين الذين يغالون في وضع الأرباح. وقبل هذه وتلك فإن الاقتصاد الحر يحتاج الى حكومة تملك قاعدة معلوماتية تضخ كافة المعلومات عن المعاملات والنشاط الاقتصادي والتجاري، بحيث يتم جبر هوامش الأرباح الزائدة لمنع أي غلو في الأسعار.الدكتور محمد أحمد علي دنقل خبير اقتصادي عزا زياد الأسعار الى تجاهل اقامة الاجهزة التنظيمية المعنية بضبط حركة الاسعار في ظل التحرير الاقتصادي. ويمضي دكتور دنقل في حديثه لـ «الصحافة» : اذا كانت مثل هذه الاجهزة فاعلة في الدول المتقدمة مثل اميركا وبريطانيا، فإنها هدفت لمواجهة اي انفلات كالذي يعانيه الاقتصاد السوداني هذه الايام. وأشار الدكتور محمد احمد دنقل لتجربة الهند التي اقامت هيئة قومية للتكاليف والاسعارتعمل باستقلالية تامة عن اجهزة الدولة الاخرى. ويرأسها عادة اكاديمي متميز يؤدي القسم امام رئيس الجمهورية قبل توليه مسؤولية الهيئة. ومهمة هذه الهيئة التدقيق في تكاليف واسعار المنتجات زراعية وصناعية وخدمية. وتستفيد الهيئة من مؤشرات الأداء الاقتصادي ضمن تنفيذ مخطط التنمية المنجزة بالبلاد التي تحتوي على حركة الاستثمارات، خاصة في ما يتعلق بتضييق الشقة بين الريف والحضر.ويصف الدكتور دنقل ما يشهده السوق المحلي من غلو في الاسعار بأنه فوضى امتدت آثارها على المستهلكين، خاصة وقد طالت هذه الفوضى السلع الضرورية مثل السكن والملبس والغذاء ومنصرفات خدمات التعليم والصحة، علما بأن الاخيرة كانت تقدم مجانا في السابق، اما واجب الدولة فكان حريا بها ان تقوم بقراءة سليمة لانعكاسات سياساتها، حتى يشعر المواطن ويقتنع بأنها تعمل لاجله، بيد أن ترك الامور بلا ضابط وتنظيم يزيد من مرارات المستهلكين على جميع المستويات، ويساهم في زيادة معدلات الهجرة من الريف للمدن، ومن البلاد للخارج. وفي ختام إفادته اتفق الدكتور دنقل مع الذين سبقوه، في ان التحرير لا يعني ان تقف الدولة دون اداء مسؤولياتها في الرقابة وضبط السلع.احد الاساتذة الجامعيين الذين التقيت بهم في ورشة وزارة المالية التي عقدتها امس الاول بقاعة الشهيد الزبير حول تنمية الموارد القومية غير البترولية، طلب عدم ذكر اسمه حدثني قائلا: «ارتفاع الاسعار وحالة الغلو الراهنة سببها السياسات الكلية التي تجاهلت تنمية الموارد القومية، واعتمدت على النفط والجبايات، وآخرها زيادة القيمة المضافة التي اشعلت حريق السوق الراهن الذي يهدد السلام الاجتماعي. واتهم الاستاذ الجامعي وزارة المالية والادارة العامة للسياسات الاقتصادية الكلية، وقال إنها فشلت في تنمية القطاعات الانتاجية، مثل قطاع الزراعة والصناعة. وقال الدكتور محمد التجاني الحاج- اقتصادي- ان حالة زيادة رسم القيمة المضافة هي السبب المباشر للزيادات، مطالبا بالكف عن الالتفاف حول الاسباب الرئيسية لزيادة الاسعار، ودعا القائمين على السياسات الاقتصادية الكلية الى استصحاب توصيات العلماء والخبراء الخاصة بتنمية الموارد القومية، خاصة تلك القطاعات التقليدية التي لها آثارها المباشرة على النسيج الاجتماعي، مثل القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، مع ضرورة خفض الرسوم الجمركية للعديد من السلع الاستراتيجية. واختتم دكتور محمد التجاني إفادته بضرورة قيام ذراع رسمي يعني بضبط الاسعار، خاصة أن ذلك التوجه لا يتعارض مع حرية السوق. ختاماً يمكن ايجاز ما خرجنا به، بأن حالة الزيادات في اسعار السلع متعددة الأسباب، منها المتعلقة بزيادات اسعار بعض السلع في الاسواق العالمية، كما اسهم غياب الاجهزة المعنية بمراقبة وضبط اسعار وتكاليف السلع في المشكل. ويجمع الخبراء على أن غياب مثل هذا الذراع من الاسباب الرئيسة لزيادة الاسعار، فيما تبقى السياسات الكلية هي السبب المباشر لهذه الزيادات، خاصة زيادة القيمة المضافة، مما يعني ضرورة مراجعتها، خاصة أن حركة السوق وزياداته لا تستثني السلع الاستراتيجية التي أعفتها المالية من القيمة المضافة.Al-sahafa: Feb., 13, 2008

ليست هناك تعليقات: