الثلاثاء، 15 يوليو 2008

وين عائدات البترول؟



أوردت مجلة النيوزويك (Newsweek) في عددها الصادر في 11 يوليو 2005 أن الاقتصاد السوداني حقق معدلات نمو بلغت (2،8%) ليحتل المرتبة الثانية بين اقتصاديات الدول الافريقية بعد دولة انجولا التي حقق اقتصادها نمواً بلغ (8،13%) ليتفوق بذلك على كل دول القارة بما فيها دول الشمال الافريقي علماً ان متوسط معدلات النمو للاقتصاد العالمي بلغ (3،4%).. ويذهب الكثيرون من المراقبين الى ان الاقتصاد الوطني السوداني ما كان له ان يحقق مثل هذه القفزة غير المعهودة لولا تدفقات عائدات البترول التي تجاوزت (5،2) مليار دولار في العام اضافة لارتفاع عائدات الصادرات غير البترولية الى حوالى (700) مليون دولار في العام 2004.ولأن البلاد تحتفل هذه الايام بمناسبة مرور السنة السادسة على اكتشاف وتصدير النفط السوداني فان «الصحافة» تخصص هذه المساحة للإجابة على التساؤل المشروع وهو هل اسهمت تدفقات النقد الاجنبي التى جاءت نتيجة مبيعات البترول في دعم القضية الاجتماعية؟
تحقيق: بله علي عمر
في أعقاب تدفقات النفط تحدثت الدولة عن اعادة هيكلة الاقتصاد وتوسيع قواعد الانتاج وتنويعها ودفع جهود الدولة في اقامة مشاريع التنمية والبنى التحتية وتوفير الخدمات الاساسية وخفض مستويات الفقر وبناء مجتمع معافى من الامراض والاوبئة والمحافظة على معدلات التضخم في حدود «8%» هكذا وعدت الحكومة برنامجها غير اننا لا نرى في سياساتها الواقعية اثراً لهذه الشعارات.ü وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في 30/6/2003 نجد ان الدولة قد وجهت في العام 1998م أي قبل دخول البترول للموازنة العامة «27%» من الايرادات للخدمات الاجتماعية جاءت تفاصيلها كالآتي: التعليم «3،14%» الصحة «5،8%» الدعم الاجتماعي للشرائح الفقيرة «7،1%» مياه الشرب «3،3%» دعم الكهرباء «1،3%»، وبعد دخول النفط نجد ان موازنة العام 2000م قد خصصت «6،20%» من الموازنة للخدمات الاجتماعية أي ان اهتمام الدولة بالخدمات الاجتماعية قد تراجع بنسبة تقدر بـ (6%) كما تراجع الصرف على التعليم من (3،14%) إلى (8،7%) وتراجع الصرف على الصحة من (5،8%) إلى (4،5%) كما تراجع دعم الطاقة الى (7،2%) وبالنسبة للزراعة التي ترى الدولة ان تدفقات النفط لن تكون خصماً عليها وانما دعماً لمزيد من الاهتمام بالزراعة نجد ان نصيب الزراعة من موازنة العام 1998م قبل النفط كانت تشكل (1،7%) نجد ان هذا الدعم قد تراجع الى (6،4%).ü البترول لم يحدث أي تحسن ملموس في حياة اهل السودان لا على سبيل التوظيف أو الخدمات العلاجية والتعليمية.زفتاً في الطرقاتهكذا ابتدر محمد علي جادين (باحث) حديثه لـ «الصحافة» ماضياً للقول إن الدولة وجهت ما كان يصرف للإعاشة على الطلاب الى اقامة جامعات باتت تفرِّخ كل عام مئات الآلاف من الخريجين الذين ارتفعت نسبة العطالة بينهم الى حوالى (90%)، كما ان المصاريف الدراسية التي ظل يدفعها الطلاب هي التي أسهمت في اقامة وتشييد هذه المنشآت التعليمية.. إن الدولة وجدت في وصفات البنك الدولي والتحرير ما جعلها لا تستصحب الابعاد الاجتماعية لسياساتها. أما البترول فلا نحسه إلا زفتاً في الطرقات غير المطابقة للمواصفات.يوافقه بروفيسور فاروق كدودة الذي ظل يشكك في معدلات النمو التي تتحدث عنها الدولة قائلاً ان معدلات النمو كانت في قطاع البترول دون غيره وهو قطاع ذو مساهمة محدودة في خلق فرص العمل وحتى تلك التي يوفرها هذا القطاع تحظي بها فئة قليلة محسوبة للحزب الحاكم.ويرى بروفيسور كدودة ان اعظم دليل على عدم مساهمة قطاع البترول في القضية الاجتماعية هو زيادة معدلات الفقر الذي احكم قبضته على المجتمع بصورة غير معهودة.. كما ان ما ظلت توفره الدولة لقطاع الزراعة ـ و«65%» من اهل السودان يعملون في مجال الزراعة ـ من تمويل طيلة الحقب الماضية.. وكان اجدر بالدولة ان توجه عائدات النفط أو الجزء الاعظم منه لدعم الزراعة لأنها الركيزة الاساسية للاقتصاد الوطني، ولكن الحكومة آثرت ان تولي ظهرها للزراعة... وها هي الآن تتجاهل مشروع الجزيرة وهي تدرك ان واجبها الاجتماعي دعك عن الاقتصادي يتطلب ان تعمل على توفير التمويل اللازم للمشروع الذي تشكل منطقته الكثافة السكانية الثانية بعد العاصمة ورغم ذلك فقد اتجهت الدولة الى تقليص النسبة الموجهة للزراعة بعد بدء تصدير البترول مباشرة مما يهدد بدخول شرائح اخرى جديدة في دائرة الفقر وسياسات الدولة تبشر كل عام بتجفيف الزراعة فبينما كانت اعتمادات القطاع الزراعي في ميزانية العام 2004 حوالى «284،85» مليار دينار نجدها قد خفضت الى «162،74» مليار دينار في موازنة 2005م ولا ندري كم صرف منها على هذا القطاع الاستراتيجي.بالنسبة لمياه الشرب فقد تراجعت اهتمامات الدولة رغم حديثها المتكرر وبرامجها التي لا تغادر دفتر الخطط الطموحة، ونجد ان الوضع بعد دخول البترول للموازنة لم يتحسن كثيراً خاصة ان مياه الشرب كانت توجه لها اعتمادات لا تقل عن «5%-3%» في كل عام ولكنها تراجعت بعد دخول النفط ووقفت «5،2%».لولا التضخم!ü غير ان رؤية بروفيسور ابراهيم احمد ابراهيم (اقتصاديات العمل) تختلف عن ما ذهب إليه الخبراء وقال ان الاقتصاد الوطني ودراسات سوق العمل ابانت ان الدخل الفردي في السودان ظل منذ سبعينات القرن الماضي ينمو بشكل سلبي او اقل من معدل النمو السكاني.. وهذا يعني ان هنالك تدهوراً في الدخل الحقيقي وان هنالك معاناة حقيقية لمحدودي الدخل وأولئك المعتمدين على الاجور.صحيح انه رغم النمو الايجابي للدخل القومي ـ يحدث تحول في دخل الفرد، ولكن ربما يكون ذلك نتيجة للتضخم.. وعن العطالة يرى بروفيسور ابراهيم ان السلسلة الزمنية لمسوحات سوق العمل قد انقطعت منذ فترة - يعني الاحصائيات والرصد الدقيق لسوق العمل - إلا ان المشاهدات العادية تكشف لنا ان متوسط دخل الفرد صار ينمو بصورة ايجابية منذ 1999م أي انه نما ايجابياً بالتزامن مع اكتشاف وتصدير النفط السوداني.ü وتتواصل المرافعة عن سياسات الدولة من قبل بروفيسور ابراهيم إلي ان الحكومة قامت بتدخلات مباشرة لتحسين الاجور ففي العام 2004 زادت نسبة الاجور بحوالى «66%» أي «8» اضعاف التضخم الذي كان بمعدل «8%» وقتئذ، وقد انعكس ذلك على الحدود الدنيا للمعاشات.. وهذا يعني ان تدفقات النفط قد اسهمت في تحسين معاش الناس، علماً ان الزيادة في الاجور تحدث حراكاً اقتصادياً تستفيد منه الشرائح والقطاعات الاجتماعية كافة.الدولة الحارسة والتهام الكعكةقلت لدكتور صديق الماحي. المعروف بتوجهاته الداعمة للحكومة الذي يرى ان النمو الذي حققه الاقتصاد نمو حقيقي.. ما فائدة تدفقات اموال النفط اذا كادت «5،44%» من الموازنة تذهب للدفاع والامن والخدمات الادارية كما جاء في ميزانية 2000 في وقت تبلغ فيه معدلات الفقر أكثر من «90%»، فقال «ان قدر الدولة التي كانت مواجهة بحروب في اكثر من جبهة حتم عليها ذلك التوجه.. صحيح ان الانفاق العسكري يهدر الموارد ولكنه كان ضرورياً وإلا مضت الدولة وذهب امنها وامانها».قلت له حسناً دعك عن الصرف على الامن والدفاع ان الخدمات الادارية التهمت «6،21%» فأجابني انها احتياجات الدولة المؤسسة التي تتفاعل ادارتها ووزاراتها كافة، انها اشياء مرهقة ولكنها ضرورية لاحداث تحول للدولة الحديثة التي لا تبنيها الادارة الاهلية.. ان الاستعمار لم يورثنا دولة حديثة وجاء قدرنا ان نمضي في الصرف على قدرات الدولة الحديثة.الخروج من الازمةاجمع الخبراء الاقتصاديون كافة على انه يمكن للبترول ان يغدو نعمة ان قامت الدولة بالعمل وفق تخطيط استراتيجي سليم يسهم فيه المختصون كافة دون عزل لجماعة او فئة، ويرى الباحث محمد علي جادين ان ذلك امر وارد خاصة في ظل الحكومة الانتقالية التي تشارك فيها القوى السياسية كافة بالبلاد. ويذهب بروفيسور كدودة الى ضرورة التوجه العاجل نحو كبح جماح الفقر، مشيراً الى ان توفير التمويل للقطاع الزراعي التقليدي والمروي وازالة الرسوم والجبايات ، عن القطاع سوف يسهم في انتعاش هذا القطاع وسوف يسهم بصورة مباشرة في الحد من الفقر.بينما يرى بروفيسور ابراهيم ان مضى الدولة في فتح المجال للاستثمارات الاجنبية والعمل على استقطاب رؤوس الاموال الاجنبية للاستثمار في السودان قادر على احداث حراك اقتصادي يساهم في خلق فرص العمل بمعنى ان تواصل الدولة سعيها في وضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تساعد في احياء قطاعات الصناعات التحويلية وعلى رأسها النسيج، والزيوت.مرافعة للوزيراختتمنا الامر بالتوجه لوزارة المالية اذ يرى الزبير أحمد الحسن وزير المالية والاقتصاد الوطني ان البترول اصبح يشكل رقماً استراتيجياً في الموازنة العامة اذ تجاوز نصف عائدات الموازنة العامة للدولة وبفضل البترول تم الانفاق على مشروعات التنمية في اطراف السودان المختلفة بما يوازي ميزانية العام 1999م ومضى وزير المالية في افادته لـ «لصحافة» (وفر البترول فاتورة الاستيراد وبالتالي اثَّر على ميزان المدفوعات، كما أسهم في دفع ثقة المستثمرين وبالتالي تدفقت رؤوس الاموال الاجنبية مما انعكس على حركة التنمية كما أسهم البترول في رفع مستوى خدمات المياه التي تضاعفت اكثر من (10) مرات خلال (4) أعوام كما ان فرص العمل التي وفرها البترول تعادل نسبة عالية عما كان عليه الوضع قبل البترول وانعكس ذلك على العمالة المختلفة في مجالات الغاز، والنقل، والطرق التي خلقت آلاف فرص العمل لينعكس ذلك على الدخل القومي ومعدلات النمو كما تحسنت أوضاع الدولة في العملات الحرة مما ادى لتقليل الاعتماد على المغتربين وتم الغاء التحويل الالزامي وتخفيض الضرائب بنسبة (50%) والاعفاء النهائي عند العودة.ويمضي وزير المالية في مرافعته عن البترول ويقول إنه أسهم في زيادة الخدمات الصحية والعمليات المجانية ودعم الادوية المنقذة للحياة واستقرار سعر الصرف، واستطاع السودان ان يفي بالتزاماته تجاه الدائنين لينساب التمويل الاجنبي لمشروعات التنمية.انتهت افادة الوزير ولم ينته التساؤل: أيها الناس هل احسستم من خلال

ليست هناك تعليقات: