الأحد، 13 يوليو 2008

النفط السوداني ..مخاوف من الحريق والنوايا الشريرة


النفط السوداني : مخاوف من الحريق و(النوايا الشريرة)
رصد: بله علي عمر
دعا الخبير الاقتصادي عبدالرحيم حمدي وزير المالية الاسبق للتعامل مع سلعة النفط بعقلانية باعتباره المحرك الأول وراء العملية الانتاجية ، ويمثل 40% من التجارة العالمية.
وتناول حمدي في محاضرة قدمها امس بمنبر وكالة السودان للانباء تحت عنوان " هل يحرق النفط السودان " أهمية وجود النفط وعدمه من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، مستدلاً في ذلك بتجارب عدد من الدول في تعاملها مع النفط بداية بروسيا التي تحتكر 3/1 النفط في منظمة الأوبك ، مشيرا إلى ان استخدام الروس للنفط كان نصف عقلاني السبب الذي أدى لانهيار الاتحاد السوفيتي .
واوضح حمدي أن تجربة النرويج في استخدام النفط كانت بعقلانية عالية حققت خلالها رفاهية للشعب النرويجي ، مشيرا ايضا لتجربة النفط في دول الخليج التي نجحت في تعاملها معه في بناء اقتصادياته ولكنها فشلت في ايجاد نفوذ سياسي لها بسبب امتلاكها للنفط وذلك بسبب عوامل أخرى كضعف التركيبة السكانية لتلك الدول وتعقيدها ما عدا العراق التي حاولت فرض نفوذها مما أدخلها في حربين ادت لتدميرها.
وقال حمدي ان هنالك عدد من الدول لايوجد فيها نفط ولكنها تعاملت بعقلانية معه كاليابان والصين التي تستورد 3/1 نفط الأوبك واكتفوا باستخدامه اقتصادياً لتنمية الطفرة الإقتصادية فيها ، مشيرا إلى ان هناك نوع ثالث من الدول التي تتوهم بوجود النفط أو عدمه كليبيا والسودان وباكستان ، مبينا أن هذا الوهم يدخلها في صدامات سياسية واقتصادية داخلياً وإقليمياَ وعالمياً كما حدث في نيجيريا التي كانت تصبو لقيادة افريقيا بامتلاكها النفط ولكن عدم عقلانيتها في التعامل معه أدى لتدهورها اقتصادياًَ إضافة لانتشار ظاهرة الفساد فيها. واستعرض حمدي تجربة السودان في تعامله مع ظهور النفط منذ العام 1958م ثم دخول الشركة الامريكية شيفرون في التنقيب التي توقفت عن العمل في 1983م بعد ظهور التمرد وقتل سبع من عمالها في الجنوب واعتبرت الشركة هذا العمل بمثابة رسالة واضحة واوقفت كل اعمالها مبينا أن ذلك بداية لحرق النفط السوداني حتى جاءت حكومة الانقاذ التي تعاملت مع وجود النفط بعقلانية عندما دعت شيفرون للرجوع للبلاد والاستمرار في استخراج البترول ولكنها رفضت بسبب ضغوط الحكومة الامريكية واتجهت الحكومة السودانية للشركات الصينيه كبديل والتي نجحت في استخراجه وبعده بدأت حرب التوهم والضغوط والمخططات الخارجية التي بدات بالحرب النفسية وتحريض المتمردين حتى جاء التوقيع على اتفاقية نيفاشا وظهرت ملامح تحول السودان لدولة بترولية وهو التوهم الثاني إذا أدى لتفاغم مشكلة دارفور خاصة وان هنالك توهمات تشير إلى وجود بترول ويورانيوم في المنطقة، داعياً الحكومة والمجتمع للتعامل بعقلانية مع النفط السوداني وعدم الاعتماد عليه والاتجاه للموارد الاخرى كالزراعة خاصة ان السودان يعتبر من خمس دول تم اختيارها لتوفير الغذا للعالم في القرن القادم. وقال حمدي إن الوصول للنفط أو الحرمان منه يؤثران تأثيرا بالغا على اقتصاديات اي بلد وأمنه ذلك انه ايضا سلعة سياسية بالغة الأهمية، واضاف ان هنالك عوامل هامة تحرك تفاعل مختلف البلاد مع النفط اجملها فى" وجوده بكثرة كما هو الحال في البلاد المنتجة للنفط.. والمحتكرة لجزء كبير من انتاجه.. وقال "تتباين ردود فعل او تفاعل تلك البلاد مع حقيقة وجود النفط فيها بكثرة مثل روسيا وهي منتج كبير للنفط استعملته لربط امبراطوريتها بتقديم نفط رخيص لدول الامبراطورية الروسية السابقة وفي بناء صناعتها ولكنها فشلت في استعماله لانعاش زراعتها والسبب تغلب سياسات أخرى." وتابع ان "استعمال روسيا للنفط كان »نصف عقلاني« فلم يمنع انهيار امبراطوريتها نتيجة سياسات اخرى غير عقلانية وهي سياسة البناء الاشتراكي للصناعة والزراعة وطغيان اطماع السلطة الامبراطورية التي تشكلت قبل بروز الاتحاد السوفيتي." واضاف ان المثال المقابل للاتحاد السوفيتي هي النرويج التي استعملت النفط بعقلانية لتحقيق مستوى عالٍ من الرفاهية الاجتماعية بعيدا عن اي توجه لتسييس نفطها بعدم الانضمام لاوبك. ونوه الى انه بالنسبة لدول الخليج فقد استعملته لبناء اقتصادياتها وبناء مجتمعات اقرب للرفاهية الاجتماعية وفشلت رغم احتكار اوبك في اسقاطه سياسيا »اي ايجاد نفوذ سياسي لها.. ولكن العذر انها لم تفعل ذلك باختيارها والدولة الوحيدة الاقرب للخليج حاولت بسط نفوذها النفطي الى عالم السياسة فدخلت في حربين حطمتاها تماما وهذه الدولة هي العراق." وقال ان العامل الثاني المهم فى تحرك تفاعل مختلف البلاد مع النفطهو عدم وجوده تماما وقال ان هذا الامر" اقعد بدول كثيرة في افريقيا وآسيا ولكنه لم يقعد بعض الدول الاخرى عن بلوغ غايتها في النهضة الاقتصادية والصناعية مثل اليابان التي تستهلك 300 مليون برميل في اليوم الواحد و100 مليون طن في العام وهنالك الصين التي تستهلك 60 مليون طن في العام سترتفع خلال سنوات قليلة الى 120 مليون طن وهنالك كوريا الجنوبية التي تفتقد هي الاخرى للنفط.." واشار الى ان هذه الدول تعاملت بعقلانية وذكاء مع حقيقة افتقادها للنفط فالتفت عليه مع ضرورة ملاحظة ان تلك الدول امتنعت عمدا او كرها كما هي حالة اليابان بعد هزيمتها في غزو مجال السياسة لبسط نفوذها لتكتفي بالتقدم الاقتصادي و قال انه بالنسبة للصين فهي تريد ان تتطور بسلام فزادت قواتها العسكرية لاسباب سياسية ودفاعية اذ يواجهها الخلاف مع روسيا ومحاولتها في اخضاع تايوان. وقال ان العامل الثالث المهم فى تحرك تفاعل مختلف البلاد مع النفطهو التصور »الخاص« بوجود النفط بكميات هائلة وبجود نية »شريرة« لاستعماله في خلق النفوذ او معاكسة السياسات الغربية كما في حالة ايران، ليبيا، والسودان او وجود تصور خاطيء بكميات هائلة يستأثر بالوجود منها في حرمان الآخرين كما هو الحال والسودان يقع ايضا ضمن هذه المنظومة. وقال ان استعمال النفط حقيقة او تصورا يرتبط بالعقلانية.. او بصورة اخرى يكفيه التعاطي السياسي والاقتصادي مع حقيقة وجوده او عدمه. وتابع "اذا كان التعامل مع حقيقة وجود النفط بأي كميات كانت بذكاء وواقعية سياسية واقتصادية فيمكن الاستفادة منه واذ لم يحدث ذلك فان الفرصة ستضيع على طريقة نيجيريا التي فشلت اقتصاديا بسبب الفساد الكاسح وبسبب فشل سياساتها الناجم عن الخلاف الداخلي الذي وصل لمرحلة الحرب وهي التي كانت مرشحة لقيادة افريقيا السوداء خاصة ان لديها قوات عسكرية في منطقة اكواس كما تأمل في الحصول على احد مقعدي افريقيا بمجلس الامن وهنا يصدق القول ان النفط حرق نيجيريا." وقال ان تعاطي السودان مع النفط منذ بداياته كان مهنيا وهادئا حين تم استدعاء شركة اوربية متوسطة الحجم للتنقيب عن النفط في السودان وذلك بدلا عن التوجه للشقيقات السبع الواقعات تحت النفوذ البريطاني الامريكي. وقال "جاءت النتيجة ان المسح الاوربي بالبحر الاحمر اكد وجود الغاز والذي لم تكن استخداماته وتعددها تشجع على استخراجه. بعد 1958 جاءت شيفرون.." واضاف انه عندما اتجه النظام نحو امريكا في اعقاب قبول المنحة الامريكية »400 مليون دولار امريكي دفعتها الولايات المتحدة في المنحة البالغة 800 مليون دولار« وتحول النظام في السودان لنظام امريكي مما شجع على مجيء شركة شيفرون واتجهت للتنقيب. وقال انه "عندما تحول النظام لاسلامي تم استغلال التمرد في اشعال الحرب.. كانت ردة فعل التمرد للنظام الجديد ايقاف التنمية وضرب الحفار الفرنسي الذي احضر خصيصا لحفر قناة جونقلي التي رأى فيها التمرد ان منطقة نفوذ عربي.. وضربت حقول النفط وقتل »7« عمال فلبينيين في حقول شيفرون في رسالة للشركة »ان اخرجوا وقد فعلت الشركة.." ونوه الى انه وبالرغم من ان الحكومة كانت قد عرضت على شيفرون ارسال لواء لحراسة الحقول الا انها رفضت على اعتبار ان ذلك يستفز التمرد فيهاجم بصورة اكثر عنفاً! و قال "انطلت الحيلة على الحكومة وجاء التمرد بكل بساطة وارسل رسالته الدموية وبدأ الحريق الذي استمر عشرات السنين.. وكانت الحرب تعني التخلي عن التنمية واستنزاف موارد البلاد حتى جاءت اتفاقية الجنوب اخيرا ويبدأ حريق دارفور." ويمضي حمدي الى القول"ثم بدأت مرحلة تالية اتجهت فيها الحكومة للعقلانية من خلال السعي لاستعادة شيفرون او استعادة حقول النفط وكانت الاخيرة وبدأ التعامل العقلاني في استخراج النفط رغم الحرب.. وسعت الحكومة لتحقيق ذلك مع ليبيا وايران والعراق ثم ماليزيا ولم يفض ذلك التوجه لشيء لتبتدع الحكومة سياسة الاتجاه شرقا وحضرت الصين " وقال انه ورغم ذلك استمر التعامل العقلاني مع النفط ليفتح باب المشاركة عبر الكونسورتيوم عام 97 الذي رحب بأي مشاركة امريكية فجاءت شركة اوكسيندال وتم استخراج النفط لتستعر الحرب اكثر بعد انتصارات الحكومة في معارك صيف العبور وبدأ السودان يقع فريسة الوهم الخاطيء المبرمج والمفروض من الخارج واضاف ان الحملات المعادية والمتصاعدة تواصلت مع تصاعد المستخرج من النفط وقال انهى عندما نجح السودان في استخراج 10 الف برميل من المستهدف لمصفاة الابيض ذات الطاقة البالغة 25 الف برميل كانت الحملة ماضية تحت شعار »النفط احلام زلوط« وشارك في هذه الجملة زعامات سياسية هامة في المعارضة.. كان الهدف هو الاحباط وكسر الثقة في النفس.. و قال عندما وصل الانتاج الى 140 الف برميل تحولت الحملة لشعار »طرد السكان الاصليين وتدمير البيئة«. واضاف حمدي "عندما اخرصت تلك الالسن بادخال عنصر غربي هو »تاليسمان« الذي كان دليلا على منتهى الذكاء والعقلانية تفاقمت الحملة بدعوى ان النفط يزود الحكومة باموال طائلة تشتري بها السلاح لتنهي التمرد لتبدأ الحملات العسكرية استهدافها المباشر لمناطق النفط وكان آخرها غزو اويل.وقال ان الانتاج ظل يتصاعد حيث بدأ شبح نصف المليون خاصة بعد دخول مربعات جديدة لا تعرفها شيفرون لتدخل بعد ذلك مرحلة لعب فيها التصور الخاطيء والوهم دورا هاما في اتفاقية نيفاشا واستعار الحرب بدارفور." وقال " في نيفاشا كسرت مقاومة التمرد وتم الاتفاق عندما اقنع خبراء البنك الدولي الحركة ان الكميات الهائلة في مربعات 1 ـ 2 ـ 4 ناضبة وعمرها لا يزيد عن 15 سنة والحقيقة انها في تناقص مستمر فقد انخفض انتاجها عن 300 الف برميل الى 285 الف برميل ويتوقع ان ينخفض الى 250 الف في 2007 وذهبت بعض المصادر الى ان سبب اندلاع الحرب بدارفور وجود النفط بكميات هائلة اضافة لليورانيوم." وقال ان التعامل العقلاني للحكومة يفرد جناحيه على السياسة والاقتصاد والامن القومي الذي هو انعكاس لوجود البلاد »مع ملاحظة ان تعبير الامن القومي يستوعب محاور التفاوض الثلاثة السلطة والثروة والترتيبات الامنية، وفي مقياس ترتيب الاولويات فانها تتطلب تعاطياً مع السياسة اولا ثم الاقتصاد ثانيا مع مقتضيات الامن القومي. وتابع حمدي "فاذا استطعنا ان نتعاطى سياسيا بذكاء مع الهجمة الخارجية بتحويل سياسة حافة الهاوية لمصلحتنا فسوف نتجنب حريقا كبيرا يهدد البلاد بصورة حقيقية واذا استطعنا التعامل مع تداعيات الوضع الاقتصادي بذكاء وانفتاح استثماري المفضي الى مزيد من التيسير المعيشي فسوف يكسب اقتصادنا مرونة اكثر ونموا يعيننا على تخطي عقبات السياسة ويضمن لنا اساسيات الامن القومي."

ليست هناك تعليقات: