الأربعاء، 16 يوليو 2008

الجبايات بعد توجيهات الرئاسة .. المطلوب اجتثاث الظاهرة

(1)

تحقيق: بله علي عمر ظلت الرسوم والجبايات التي تتم جبايتها بواسطة حكومات الولايات والمحليات بموجب لوائح محلية بعيداً عن القوانين هاجساً للقطاعات الانتاجية كافة، وظلت هذه الجبايات تتصاعد حتى غدت العنصر الأكثر مساهمة في فاتورة تكلفة الإنتاج. وحذّر المنتجون والخبراء من أن يتجاوز غول هذه الجبايات عرقلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى تجفيف صنوف الإنتاج وخنق الاقتصاد، خاصة الجبايات والرسوم التي يتم تحصيلها على الطرق القومية والفرعية.. الدولة ورغم يقينها بخطورة الوضع إلا أنها فشلت في اجتثاث الظاهرة رغم القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء التي تحظر على الولايات فرض الرسوم وعلى رأس هذه القرارات القرار رقم (292) في سنة 1996م منع منعاً باتاً استخدام طرق المرور السريع (الطرق عابرة الولايات) أو الطرق الداخلية لتحصيل أي نوع من الضرائب أو الرسوم مستثنياً من هذا الحظر الرسوم التي تتحصّل عليها وزارة الطرق والإتصالات مقابل استخدام العربات لطرق المرور السريع. ولما لم يجد القرار المذكور آنفاً طريقه للتنفيذ ألحقه مجلس الوزراء بقرار آخر بالرقم (94) في عام 2000 قضى بإزالة الأسباب العائقة لعبور السلع وتخفيض الأعباء على السلع أو الركاب من الطرق القومية أو الفرعية. ولم يكن حظ تفعيل القرار الثاني بأحسن من سابقه بل زادت المعاناة وجأر مستخدمو الطرق بالشكوى التي لم تجد الآذان الصاغية بالولايات. وكانت غرفة النقل أكثر الجهات التي جأرت بالشكوى من تعدد الجبايات.. ورصدت غرفة الشاحنات محطات تحصيل الجبايات والرسوم بين الخرطوم وبورتسودان بأنها بلغت في بعض الأحيان (26) محطة.. قال طارق عبدالقادر أمين مال اتحاد غرف النقل لـ(الصحافة).. رغم القرارات التي حظرت فرض الرسوم والجبايات على الطرق القومية ألا أن هنالك تفلتات من الولايات، مطالباً غرف النقل المختلفة عبر الولايات بعدم دفع أي رسوم محلية أو ولائية. ووجه اتحاد غرف النقل انتقادات لاذعة للولاة ورؤساء المحليات للاستمرار والتشديد على فرض الجبايات ولائياً، الأمر المعوِّق لقطاع النقل عبر الولايات قائلا إن ذلك التوجه لا يقف عند أصحاب الشاحنات والعاملين في القطاع وإنما يتجاوزهم للشرائح الاجتماعية كافة.. وحول المخاطر الحقيقية للرسوم والجبايات يرى طارق عبدالقادر أنها تزيد تكلفة تشغيل مواعين النقل مما يضطر أصحاب الشاحنات إلى اتخاذ أحد التدبيرين إما العمل بالخسارة ونهاية ذلك تدهور قطاع النقل بصورة كاملة أو رفع نولون النقل وهذا غير وارد في ظل ما شهده القطاع من إغراق جعل قيمة نولون الترحيل أقل من سعر التكلفة، مما دفع العديد من الشركات إلى إعادة تصدير أسطولها خاصة أن استيراد مواعين النقل إبان التكدس جعل الكثير من الشركات تتجه لبيوت التمويل المحلية والأجنبية لتمويل صفقات شراء الشاحنات واتفق على رؤية قطاع النقل الدكتور محمد التجاني المتخصص في اقتصاديات النقل الذي انتقد تجاهل تنفيذ قرارات مجلس الوزراء بواسطة حكومات الولايات التي دأبت على الخروج بمتحصليها وأجهزتها الشرطية لسد الطرق القومية كلما خلت خزاناتها من الأموال التي تحصَّل بطرق غير قانونية وإضافة لعدم شرعية هذه الجبايات فهي تؤكد أن القرارات التي يصدرها مجلس الوزراء الاتحادي والتي تعتبر بمثابة القرارات المرتبطة بهيبة الدولة وسلطانها مما يؤكد ضرورة احترامها والخضوع لها بيد أنها لا تجد غير التجاهل. يقول الدكتور محمد الحسن ابراهيم -اقتصادي- رغم الاتفاق على عدم مشروعية هذه الرسوم التي لا يدعمها اي قانون الا انه لا سبيل للولايات سوى الخروج للتحصيل سواءً من الاسواق عبر الرخص التجارية ورسوم القطعان والعتب عبر لوائح تجيزها الأجهزة التشريعية على مستوى المحليات او الولايات لتمنحها بعض الشرعية وابراءً لذمة المحصلين لها. واعطى الدكتور المبرر للمحليات التي يقع عليها توفير الفصل الاول اضافة الى مال التسيير في وقت رفعت فيه الدولة يدها الا من النذر اليسير للولايات تناله حسب شخصية الوالي وتفاعله وحكومته مع أجهزة الحزب الحاكم. رئيس لجنة اقتصادية بالمجلس التشريعي لاحدى الولايات التي يمر بها الطريق القومي تحدث لـ(الصحافة) قائلاً: «لن نهزم الحكم الفدرالي إذا فشلت الدولة في تقديم الدعم لشهر أو شهرين علينا أن نبحث عن السبل التي تمكننا من الإيفاء بالمتطلبات ولو اضررنا للخروج للشارع القومي الذي لم يعد (زفتاً يقرّب المسافات ويواصل الأرحام بل غدا مساهماً رئيساً في التنمية)».. قلت للرجل ماذا أنتم فاعلون.. فقال طالما تدخل الرئيس فلا علينا سوى السمع والطاعة! توجيهات رئيس الجمهورية الخاصة بإزالة كل نقاط الرسوم والجبايات على الطرق القومية بدأ انفاذها عبر الحملة التي قادتها وزارة المالية والاقتصاد الوطني ممثلة في وزيرها عوض أحمد الجاز التي تمت بموجبها إزالة العديد من محطات الجبايات بالطرق القومية وجدت الإشادة والقبول ولكن هل هي الحل الناجع؟ إن سبب خروج الولايات للطرق القومية يعود الى عدم وجود الخطط والاستراتيجيات التي تمكن هذه الولايات من الايفاء بالتزاماتها هكذا ابتدر الدكتور عطا البطحاني استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الخرطوم، ماضياً للقول: «إن هذا التوجه دليل على عدم توفر البيئة المثلى لتفجير الموارد بسبب التقلبات السياسية التي كثيراً ما عملت وفق خطط وبرامج اقتصادية تتضارب مع تلك التي كانت سائدة.. أي أن هناك آثاراً اقتصادية للتقلبات السياسية والمالية على مجمل الحراك الاقتصادي كما تعتبر التقلبات السياسية في حد ذاتها أعظم المعوقات التي أقعدت بالاقتصاد الوطني، فرغم الموارد الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها البلاد، إلا أن عدم الاستقرار السياسي قد جعل رؤوس الأموال تتجاهل الاستثمار في السودان، خاصة في المشروعات التنموية الكبرى طويلة الاجل. إن الاستقرار السياسي قادر على جذب رؤوس الأموال، ولو كانت الدول ذات الاستقرار السياسي فقيرة الموارد، كما أن عظم النخب التي حكمت السودان لم يكن من ضمن أولوياتها وضع خطط اقتصادية طويلة الأجل بهدف إحداث تنمية حقيقية تحدث حالة من التحول الاجتماعي بين المواطنين وتشير التجارب إلى أن هذه النخب الحاكمة كانت تعتمد التوجه السياسي وليس الجدوى الاقتصادية عند قيام المشروعات، ولعل أبلغ دليل على ذلك مشروعات التصنيع التي أقيمت خلال حقبة مايو والتي تجاهلت الرؤى الاقتصادية، فجاء تشييد وإنشاء العديد من المصانع عديم الجدوى ويذهب الى ذات الرؤية الدكتور كامل ابراهيم حسن استاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الخرطوم الذي يرى أن لجوء الولايات الى قفل الطرق القومية وتحصيل الرسوم والجبايات دليل على فشل التوجه السياسي وتدخله المخل في العملية الاقتصادية، طيلة حقبة الانقاذ الحالية، فجاء تحقيق شعار نأكل ما نزرع خصماً على الانتاج في مشروع الجزيرة عندما خصصت مساحات واسعة في المشروع لزراعة القمح خصماً على زراعة القطن، في وقت كانت فيه مبيعات الأقطان قادرة على سد حاجات البلاد من الغذاء، ونتج عن ذلك أن فقد السودان أهم أسواق الأقطان، وعندما أدركت الدولة خطأ ذلك التوجه وعادت لزراعة الاقطان، وجد الانتاج السوداني صعوبة بالغة في العودة لمكانه مما يؤكد أن النظام لا يفتقد البوصلة التي تقوده نحو آفاق النهوض بالقطاعات الانتاجية وحسب وانما يعمل على تجفيف ما تبقى من قطاعات عبر خنقها بالجبايات عبر الطرق ومداخل المدن. ويقول الصادق احمد الشيخ اقتصاد زراعي ان السياسات المالية الراهنة للدولة لا تسهم في نمو القطاعات المنتجة والتي للسودان فيها ميزات تفضيلية، بفضل التكاليف الباهظة الناجمة عن الرسوم والجبايات خاصة تلك التي تسد الطرق نحو الصادر، كما ان الدولة لم تعد ملتزمة بتوفير التمويل.. فتركت المنتجين يعانون من ارتفاع اسعار فائدة التمويل ومحافظ البنوك. وقد أدت هذه السياسات لتراجع مساهمة الانتاج الزراعي في الناتج الاجمالي لتأتي الجبايات وتقضي على ما تبقى من ظهر القطاعات المنتجة.

ليست هناك تعليقات: